النوع الخامس: الإقسام على الله من باب عدم فعل ما حث الله عليه مثل قول رجل: والله لا أتصدق اليوم «أي تطوعًا» لحديث أن رجلاً تخاصم مع رجل في حق فقال والله لا أفعل لما قيل له صالحه رواه البخاري. فقال الرسول r من ذا الذي يتألى على الله أن لا يفعل المعروف. أما الإقسام على عدم فعل الواجب فهذا اعتراض على الشرع مثل والله لا أحج أو لا أصلي في المسجد. وكل هذا في باب حقوق الله أما حقوق الخلق ففيه تفصيل.
مسألة: الإقسام على المخلوق، مثاله: أن تقول لشخص: «والله لتسافرن» ونحو ذلك، وهذا لم يرده المصنف، ولكن يستحق إبرار المقسم إن حلف على مباح ولا يجب، فإن لم يف فعلى المقسم الكفارة.
حديث جندب بن عبد الله:
قال رجل: من بني إسرائيل كما جاء في حديث أبي هريرة، وهو باعتبار الصفة عابد مجتهد قائم بإنكار المنكرات.
وقد جاء عند أبي داود أنه كان ينهاه عن المنكر.
والله: الواو واو قسم.
لا يغفر: لا: نافية.
المغفرة: هي الستر والتجاوز، وهو أقسم على الله بعدم المغفرة.
وجاء عند أبي داود: «ولا يدخلك الجنة».
والباعث على هذا القول شيئان:
1- من جهة ما في نفسه من الكبر والتعاظم بكونه رجلاً عابدًا، ولذا جاء في الحديث «من ذا الذي يتألى» أي: يتعاظم.
2- من جهة احتقار الشخص بأنه مذنب عاص، وهذا الشخص منع فضل الله الأخروي، ومثله الفضل الدنيوي، كما لو قال: «والله لا يرزق الله فلانًا أو لا يهبه ولدًا».
لفلان: أي الشخص العاصي المعين.
وجاء في حديث أبي هريرة عند أبي داود: أنه مذنب.
وهل هو ذنب يُخرج من الملة؟
لا. فذنوبه كانت معاصي لا تُخرج من الملة؛ بدليل آخر الحديث «قد غفرت له».
فقال الله عز وجل: هذا القول بعدما ماتوا وبعثوا كما في حديث أبي هريرة.
من ذا: استفهام إنكاري.
يتألى: التألي هو الحلف لكنه على وجه التعاظم والتفاخر.
إني قد غفرت له: جاء عند أبي داود «غفرت له برحمتي».
وأحبطت عملك: ماذا أحبط؟ هل أحبط كل أعمال هذا العابد أم العمل الذي يفتخر به عليه؟
فإن كان الأول: فإن الرجل كفر بهذا القول؛ لأنه حبط عمله.
وإن كان الثاني: فيكون العمل الحابط هو إنكاره المنكر على هذا الذنب: وهذا الأقرب.
وظاهر كلام أبي هريرة الأول؛ لأنه قال: «تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته». لكن يقال هذا وعيد وليس من باب البيان والحكم.
مناسبة الحديث للباب: تحريم الإقسام على الله، وأنه يُنافي التوحيد أو كماله الواجب.
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال:
جاء أعرابي إلى النبي r فقال: يا رسول الله: نهكت الأنفس، وجاع العيال، وهلكت الأموال، فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله، فقال النبي r: «سبحان الله! سبحان الله!» فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه؛ ثم قال النبي r: «ويحك، أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد» وذكر الحديث. رواه أبو داود.
قال الشارح:
المسألة الأولى: تخريج الحديث:
وقع خلاف في تصحيح الحديث، فذكر الشارح أن الذهبي حسنه.
والقول الثاني أنه ضعيف؛ لأن فيه محمد بن إسحاق وقد عنعن وهو مدلس، وفيه جبير بن محمد وهو مجهول، وعلى ذلك فالحديث ضعيف؛ لأن المُضعَّف فسر ضعفه.
المسألة الثانية:
وإن كان الحديث ضعيفًا فإن أصل المسألة صحيح؛ بمعنى أن هذا القول لا يجوز أن يقوله الإنسان، أي قول «استشفع بالله على أحد من خلقه»؛ لأن الاستشفاع بالله تنقيص لله، وقد دلت الأدلة والعقل على أن الله كامل قال تعالى: ]وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ [الإخلاص: 4]، قال: ]وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[ [البقرة: 255]، وقال: ]هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ[ [فاطر: 15].
المسألة الثالثة: معنى الاستشفاع:
هو طلب الشفاعة، ومعناه: أن تجعل شفيعًا لك عند بعض خلقه، وتطلب من الله أن يتوسط لك عند الرسول، أو عند إنسان حي قادر بشيء من الخير أو من المعروف.
وغالبًا: المشفوع به أقل من الشافع؛ لأنه طالب والطالب أنزل مرتبة.
وصورة المسألة: أن يطلب من الله فيقول: يا الله اشفع لي أو توسط لي عند فلان أن
يقرضني مثلاً.
وأركانها ثلاثة:
1- شافع.
2- مشفوع له.
3- مشفوع عنده.
وشرطها: أن يطلب من الله بصيغة يا الله أو اللهم.
مسألة: الاستشفاع بالله على خلقه. هي غير مسألة الاستشفاع أو التشفع من الأموات والغائبين إلى الله فهذه الأخيرة شرك أكبر وهي مسألة الشفاعة المعروفة وقد تقدم بابها.
باب ما جاء في حماية النبي r حمى التوحيد
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه، قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي r فقلنا: أنت سيدنا، فقال: «السيد الله تبارك وتعالى». قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً؛ فقال: «قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان» [رواه أبو داود بسند جيد].
وعن أنس رضي الله عنه، أن ناسًا قالوا: يا رسول الله: يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: «يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد، عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» [رواه النسائي بسند جيد].
قال الشارح:
المسألة الأولى:
مر علينا باب باسم «ما جاء في حماية المصطفى جناب التوحيد ...»، وليس هناك تكرار، فإن هذا الباب يتعلق بسد طرق الشرك القولية، والباب الذي مضى في سد طرق الشرك الفعلية.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
هنا مثل شرح الترجمة السابقة إلا أنه يُضاف هنا: سد طرق الشرك القولية.
حديث عبد الله بن الشخّير: قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي «... الحديث».
فقلنا: سبب القول أنهم أرادوا إظهار حبهم للرسول r، والتعبير بشعورهم تجاهه، وبيان مكانته، فمدحوه بحضرته بهذا الكلام، مع أنهم مدحوه بما هو أهله، وعلى ذلك فالكلام قيل على وجه المدح.
أنت سيدنا: هنا أضافوا السيادة وهي سيادة خاصة.
السيد الله: أل للعموم والاستغراق، لأن السيادة المطلقة والكمال لله تعالى. أما