كان فلاسفة اليونان القدماء يتناقشون فيما بينهم حول طبيعة المادة, فكانوا يتساءلون عما ينتهي إليه تقسيم المادة , هل يمكن مواصلة التقسيم إلى ما لا نهاية؟. أم أن هناك حد تنتهي عنده إمكانية التقسيم ؟
كان صاحب هذه التساؤل الفيلسوف لوسيب سنة 445 قبل الميلاد، وجاء بعده تلميذه ديموقريطس Democritus و قال: أن كل شيء مصنوع من جزيئات صغيرة, فهي تتجمع مع بعضها البعض بطرق مختلفة لتشكل مواد مختلفة.
وأن الجزيئات بحد ذاتها لا يمكن أن تتغير ولا يمكن تقسيمها إلى أجزاء اصغر.وأطلق عليها اسم الذرات Atoms أي الذي لا يمكن تقسيمه. :Atomosمن الكلمة اليونانية
و من قوله في هذا الموضوع: ( نقول عن الشيء حلو أو مر, أو نقول حار أو بارد, ونصف لونه, والحقيقة أن كل هذا لا يتعدى كونه ذرات في الخلاء) وأيضا ( أن هذه الذرات لا يمكن أن يعتريها الفناء)
ومن تعاليم ديموقريطس : انه لا يوجد شيء سوى الذرات والفراغ ( الخلاء) vacuum , وما عداهما فهو محض الخيال.
وتعد هذه الذرات التي تفوق الحصر كمكونات أوليه لا متغيره ولا تفنى, أساس كل ما يوجد ويحدث في الطبيعة.
وللذرات المستقلة صور هندسية ثابتة وحركات متغيره من جراء ما تتعرض له من ضغوط و تصادمات مع بعضها البعض.
وفي ظل كل المتغيرات في بنية الطبيعة, تظل الذرات ثابتة محتفظة بكيانها, لا شيء يصدر عن لا شيء ولا فناء لما هو موجود, التغير مجرد اتحاد وانفصال بين الأجزاء وما اختلاف الأشياء جميعها إلا لتنوع ذراتها عددا ومقدارا وبنية وترتيبا.
ولما كانت حركات كل ذره على حده خاضعة لقانون طبيعي وضوابطه فليس هناك شيء اختياري ( تحكمي) arbitrary يحدث في الطبيعة كلها, ولا شيء يحدث مصادفه accidentally, ولكن لكل شيء عله وضرورة, ولا تستطيع حواسنا المتواضعة إدراك هذه العناصر elementsمن حيث طبيعتها وصورها , ولكنها فقط تحس بتأثيرها على نحو غامض( فقط في الخيال حيث الحلاوة والمرارة والحرارة والبرودة والألوان, أما في الحقيقة فليس هناك سوى الذرات والفراغ) وهذه شهادة بارزه على( تنصيل (decoloration العالم, أي التأكيد على أن جميع المشاهدات الحسية المباشرة ما هي إلا وهم ( خداع) وأن معرفة الحالة الحقيقية للأشياء لا بد أن تؤدي بنا إلى وصف لا يشتمل إلا على الصورة الهندسية و الحركة الميكانيكية للذرات.
وتقدم هذه الصورة الفكرية عن الفلسفة المادية إمكان اعتبار كل حوادث الطبيعة على أنها نتائج للانتظام ( الاطراد) الصارم.
لم يتمكن ديموقريطس من إثبات ذلك بسبب عدم اعتماد أفكاره على الوقائع .
هناك من أحيا تعاليم ديموقريطس منهم: ابيقوروس Epicurus من خلال سلوكه في الحياة إذ كان ذا اتجاه عقلاني rationalistic.
وكذلك الشاعر والفيلسوف الروماني الكبير لوكريتس Lucretius فقد شرح باستفاضة أفكار الاطراد الذري لكل مجالات الطبيعة من خلال قصيدته التعليمية العظيمة (عن طبيعة الأشياء) وعرف علماء الغرب تعاليمه في إطار الدراسات الإنسانية في أبان عصر النهضة مثل جاسندي Gassendi الذي قام بإدخال الفلسفة اليونانية في العلوم الغربية. وكذلك كان ديكارت Descartes من مؤيدي ديموقريطس. أما الذين خالفوا ديموقريطس منهم بطليموس وارسطوا الذي اعتبر أن الطبيعة تتكون من أربعة عناصر هي الماء وهواء والنار والتراب.
وعلى هذا الأساس فان كل مادة من المواد تنجم عن اتحاد إحدى هذه العناصر مع عنصر آخر أو أكثر. وبسبب هذا المفهوم الخاطئ أقام سدا منعيا يحول دون فهم الإنسان لطبيعة المادة واحدث ضررا للإنسانية لا يمكن تقديره. اخذ الفلاسفة بتعاليم أرسطو وضاعة نظرية ديموقريطس في هاوية النسيان خلال عصور عديدة والنتيجة كانت تأخير التقدم العلمي بما يزيد على 10 قرون اخذ الناس فيها بنظريته محاولين تحويل معادن مثل النحاس والرصاص إلى الذهب والفضة من خلال إضافة إحدى العناصر الأربعة أو أكثر بنسب مختلفة وعكفوا على الأفران ولكنهم لم يفوزوا بذرة واحدة من الذهب .