صلاة
الله مطلوبي على المختار محبوبي
أقصر طريق يوصل الإنسان إلى
معية النبي العدنان ، هو الصلاة
عليه صلى
الله عليه وسلم ، والسابقون أجمعون ، وهم الأدلاء والمرشدون الذين هيأهم سيدنا رسول
الله صلى
الله عليه وسلم ليأخذوا بيد السالكين ، ويوصلوهم إلى محطة الأمان ، وإلى جودى الفضل على شاطئ سيد الأولين والآخرين ، أجمعوا على أنه ليس هناك طريق على التحقيق ، للدخول في
معية النبي صلى
الله عليه وسلم ، أقصر من الصلاة والتسليم
عليه صلى
الله عليه وسلم ، وهذه المعية شاملة من
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الأحزاب56
فالله والملائكة ، من فينا لا يريد أن يكون في معيَّة
الله ، وفي معيّة ملائكته عليهم السلام أجمعين؟ ومعيَّة
الله تعني المعيَّة الجامعة ، ولم يقل معيَّة الودود ، أو معيَّة اللطيف ، أو معيَّة الرحيم ، لكن معيَّة
الله تعني المعيَّة الجامعة لكل كمالات وجمالات ، لأن اسم
الله ؛ هو الاسم الجامع لجميع الكمالات والجمالات الإلهية
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ} لم يقل
" صلوا " ، بل قال
{ يُصَلُّونَ} بل دائماً يصلون كيف؟ هذا شئ ليس لنا شأن به
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} كم مرة؟ لم يحدد
عندما ذهب الصحابي الجليل سيدنا أبي بن كعب لما نزلت هذه الآية إلى رسول
الله وقال له
{يَا رَسُولَ الله إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي؟ فقَالَ «مَا شِئْتَ » قال: قُلْت الرُّبُعَ؟ قَالَ «مَا شِئْتَ. فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قُلْتُ فَالنِّصْفَ؟ قَالَ «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ» قال: قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ » قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلّهَا؟ قَالَ: «إِذَا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»} - وفى رواية
{إذاً يَكْفِكَ اللهُ مَا أهَمَّكَ فِي أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآَخِرَتَكَ وَيَغْفِرُ لَكَ كَلَّ ذَنْبِكَ}[1]
حديث يفسر الآخر ، أي لو شئت جعلت كل وقتك للصلاة
عليه بعد الفرائض المكتوبة ، يقول : يكفيك
الله همك ويغفر لك ذنبك ، أما كيف يصلي الله؟ وكيف تصلي الملائكة؟ ليس لك شأن بهذا
{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} الأحزاب56
سلم الأمر إليه ، وليس لك شأن أنت ، وأنت عندما تصلي
عليه ، هل تعرف كيفية الصلاة عليه؟ قالوا : يا رسول
الله أما السلام
عليه فقد علمناه ، ولكن كيف نصلي عليك ؟ فسكت ، حتى قالوا : وددنا لو أننا لم نسأله ! ، ثم قال: قولوا
:" اللهم صلِّ " ، لأنك لا تعرف أن تصلي ، فماذا أفعل؟ ، اعمل توكيل لله ، وهو يصلي ، قل : اللهم صلِّ ، كيف؟ ليس لك شأن ، أنت عليك أن تقول
: اللهم صلَّ ، وهو يصلي بما شاء وكيف شاء عز وجل
يعني أنني لا أصلي ، بل أطلب من
الله أن يصلي
{اللهم} يعني
{يا الله} صلِّ على سيدنا محمد ، كيف تشاء وبما تشاء لأن هذا أمر غيبي لا يعلمه إلا هو
{وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} كأنني عندما أصلي على النبي الآن ، لا تصبح صلاة فقط ، بل صلاة وذكر لله ، لأني قبل أن أصلي : أقول
{اللهم} وهذا ذكر ، ثم ماذا؟ " صلِّ " ، فأصبحت ذكر
الله وصلاة على رسول
الله صلى
الله عليه وسلم ، وأصبحت الدليل العملي على حبي لهذا النبي ، قال صلى
الله عليه وسلم
{مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ}[2]
ولذلك لما ذهب رجل إلى السيدة رابعة العدوية رضي
الله عنها وأرضاها ، وظل يتكلم عن الدنيا ، ويطيل فيها فقالت رضي
الله عنها وأرضاها
{لولا أنك تحب الدنيا لما ذكرتها ، قال لها: لماذا؟ قالت : لأن من أحب شيئاً ؛ أكثر من ذكره}
وأنا أحب النبي ، ما الدليل؟ أنني مشغول دائماً
بالنبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أن الصالحين قالوا : الذي يروى أرواح السالكين والمريدين ، والذي يغذيها ، ويرقيها ، وينميها ، ويصفيها ، ويزكيها ، حتى ترتفع الحجب عنها ، وترى نور سيد الأولين والآخرين هو الصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم بدوام الإنسان عليها
وماذا عليك وأنت تسير في الطريق ، أن تصلى على النبي؟ أو وأنا راكب ، أو وأنا في العمل ، بدلاً من السكوت أسير وأنا أصلي على النبي ، ماذا علي في هذا الأمر؟ أفيه تعب؟ أسأدفع شيئاً؟ أو لساني سيملُّ؟ أو يكل؟ أو يحتاج إلى فيتامينات؟ حتى يقوى ويتكلم كثيراً؟ أبداً بل بالعكس ، فاللسان عندما ينشغل بذكر
الله ،
وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يصبح خفيفاً ولطيفاً ، ولا يحس بتعب أبداً ، حتى أن الإنسان يصل لمرحلة أنه بكل حقائقه يصلى على النبي صلى
الله عليه وسلم كيف هذا؟
أولاً : هو يصلى
عليه بلسانه ، بعد فترة يزيد الحب ، فيحاول استحضار معانيه ، ويحاول استحضار صفاته ، ويحاول أن يتذكر جميل نعوته ،
ويحاول أن يعرض على الله فقره وذله واغترابه ، ليبين له
الله ذرة من كمالاته المحمدية ، أو يعرض
عليه مشهداً من جمالاته الأحمدية ، أو يقيمه في مواجهة معه صلوات
الله وسلامه
عليه ، ينال بها السعادة الأبدية
كل هذه الأشياء تجعله بعد فترة لسانه يذكر ، وقلبه يستحضر المعاني المحمدية ، معاني هذه الحضرة ، وصفات هذا الجميل صلوات
الله وسلامه
عليه ، وعندما ينشغل بهذه الصفات ، وهذه الجمالات ،
يكرمه الله برؤيته صلوات الله وسلامه عليه مناماً ، فإذا أكرم برؤيته صلوات
الله وسلامه
عليه مناماً ، تعلق به أكثر فيدعوه هذا إلى التشبه بأخلاقه ، وإلى
كمال التأسى بكمالاته وجمالاته صلوات الله وسلامه عليه ، حتى يصير في حاله وسلوكه وفي خلقه وفي هديه وفي سمته نسخة مصغرة جداً جداً جداً ، من الحضرة المحمدية ، يعني في كرمه وفي لطفه وفي أنسه وفي بره وفي وداده وفي صفاته وفي جماله وفي بهائه ، يصبح صورة مصغرة جداً جداً من الحضرة
وهنا يحدث التشابه بينه وبينه ،
ويفاض عليه من سر هذه المشابهة ، ما لا يستطيع أن يذكره أحد من الأنوار المحمدية ، والعلوم الوهبية ، والأسرار النورانية ، وغيرها من أصناف المواهب التي تفاض من قلبه صلوات
الله وسلامه
عليه ، على كمل العارفين ، من أجل هذا ، نجد العارفين مشغولين بحضرة النبي : لماذا لا ينشغلوا بالله مباشرة كما يقول الناس في هذه الأيام؟ لأنهم يشاهدون أن شغلهم بالنبي ، هو شغلهم بالله ، لكن على المنهج الذي وضعه
الله وكيف؟ كل الذي يريدونه أن ينالوا رضا الله، فالذي يريد رضا
الله قال سبحانه له
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب21