باب ما جاء: أي من الوعيد.
ذمة الله: الذمة هي العهد.
وذمة نبيه: أي عهد نبيه وميثاقه.
المسألة الثالثة: حكم إعطاء عهد الله وميثاقه وذمته؟
لها حكمان:
أما ابتداؤها فلا يجوز، لحديث الباب والشاهد «فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه».
أنها إذا أعطيت فيجب الوفاء ويحرم النقض، ويدل عليه الآية ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ[.
الآية: فيها وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق.
حديث بريدة: قال كان رسول الله r إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ... الحديث.
هذا الحديث يحوي تعليمات وتوجيهات للمجاهدين:
التوجيه الأول: فيما يخص الأمير، فأوصاه بتقوى الله.
التوجيه الثاني: أوصاه بمن معه من المسلمين خيرًا.
التوجيه الثالث: فيما يخص الجيش:
1- أن يكون جهاده خالصًا لوجه الله في سبيل الله.
2- عدم الغلول والغدر والتمثيل وقتل من لا يستحق ذلك.
التوجيه الرابع: فيما إذا لقي الكفار عليه أن يدعوهم إلى ثلاث خصال:
1- الدعوة إلى الإسلام.
2- إذا امتنعوا فالجزية.
3- القتال.
قوله «فأرادوك»: أي طلبوا منك عهد الله على سلامة أنفسهم وأموالهم.
فلا تجعل لهم: أي لا تعطهم العهد باسم الله أو باسم نبيه؛ لأنه نائب عنه.
وقوله لا تجعل: لا: ناهية والنهي يقتضي التحريم.
ثم بين له البديل فقال:
ولكن: للاستدراك.
اجعل لهم ذمتك: أي عهدك وعهد أصحابك.
ثم بين العلة وأن ذلك قد يؤدي إلى الاستخفاف بتعظيم الله عندما تخفر الذمة.
مسألة: العهد([1]) باعتبار من يُعطى له على قسمين:
1- ما يُعطى للمقاتلين والخصوم في المعركة فهذا لا يجوز ابتداؤه، ويجب الوفاء به لو ابتدئ.
2- ما يعطيه الإنسان لآحاد الناس بقوله: عليّ عهد الله بأن أسافر معك، أو علي عهد الله بأن لا ألبس هذا الثوب، فهذا حكمه حكم اليمين ابتداءً ووفاءً.
باب ما جاء في الإقسام على الله
عن جندب بن عبد الله رضي الله قال: قال رسول الله r: «قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك» [رواه مسلم].
وفي حديث أبي هريرة أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته.
قال الشارح:
المسألة الأولى: معنى الإقسام على الله.
أي بأن تحلف على الله أن يفعل، أو تحلف عليه ألا يفعل، وهذه صيغته.
المسألة الثانية: شرح الترجمة.
باب ما جاء: أي من الوعيد.
وقوله على الله: ليست هنا بمعنى الباء أي ليس الإقسام بالله فهذا لا بد منه أن يحلف بالله أو بصفة من صفاته وهذا مرّ في أبواب سابقة.
الإقسام: أي الحلف، ومثاله: «والله لا يغفر الله لفلان» أو «والله لا يوفَّق الله فلانًا».
المسألة الثالثة: أحكام الإقسام على قسمين:
الأول: الإقسام على الله أنواع:
النوع الأول: أن يحلف على معين، مثال: «أن يحلف على معين بعدم المغفرة أو الفضل» ونحو ذلك مثل: «والله لا يغفر الله لفلان» مثال الفضل: «والله لا يرزق الله فلانًا».
أما حكمه: فهو حرام وينافي التوحيد أو كماله الواجب، فإن كان من باب العجب بالنفس واحتقار المحلوف عليه، فهذا محرم، وإن كان من باب نسبة الله إلى العجز، أو أنه متصرف مثل الله، فهذا يُنافي التوحيد.
النوع الثاني: الإقسام على وجه الثقة بالله وإحسان الظن بالله ومنه حديث أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه ومنه قسم أنس بن النضر لما قال والله لا تكسر ثنية الربيّع. وهذا النوع يجوز.
النوع الثالث: الإقسام على الأحكام الشرعية مثل قسم ابن عمر على القدرية في قوله والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه. ومثل قول الرجل والله لا يقبل الله من منافق. وهذا يجوز.
النوع الرابع: الإقسام على النوع مثل والله لا يغفر الله للزاني ونحوه. والفرق بين وبين الأول أن الأول للعين أي هذا الزاني والرابع للنوع أي لا يغفر الله للزاني، وهذا القسم لا يجوز؛ لأن فيه تعميم ينافي المشيئة فإن من ارتكب الزنا تحت المشيئة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه.
([1]) المقصود به عهد الله.