ويكون المعنى مركبًا من المعنيين كالتالي:
لا تحلفوا ابتداء من غير سبب، وإذا حلفتم فكفروا.
حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه:
الحلف: تأكيد الشيء بمعظم.
منفقة للسلعة: أي يروج السلعة، فيكون وسيلة لبيعها بسرعة؛ لأن البائع إذا حلف أنها بكذا صدقه المشتري فاشتراها حسب حلفه.
هل الحلف هنا يقصد به الحلف الصادق أم الحلف الكاذب؟
كلاهما، أما الحلف الكاذب مثل أن يقول: والله اشتريتها بكذا وهو يكذب، ويثبت للمشتري خيار التخيير بالثمن.
أما لو حلف صادقًا فهذا أيضًا يساعد على رواج السلعة؛ إلا أنه لا يجوز؛ لأنه لم يكن هنالك سبب بأن يحلف على البيع والشراء.
ويأتي حديث سلمان دليل على ذلك.
المحق: هو النقص والمحق ذهاب البركة، ويكون في الدنيا أو في الآخرة.
للكسب: دليل أن الذي يمحق ليس الربح فقط؛ بل الكسب كله.
مناسبة الحديث للباب: أن الحلف كذبًا أو صدقًا بكثرة من غير سبب مما ينافي كمال التوحيد.
حديث سلمان رضي الله عنه:
ثلاثة: هذا من باب تقريب وتسهيل العلم وإلا من فيه هذا الوعيد أكثر من ذلك.
لا يكلمهم الله: لا نافية، وجاء في الحديث «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه...».
الجمع: جمع بعض أهل العلم بالتفريق بين الكلام، فالكلام المثبت «إلا سيكلمه» هو كلام المحاسبة، والكلام المنفي هنا هو كلام الرضا والثواب والرحمة، وعلى هذا المعنى يكون هؤلاء الثلاثة لا يكلمهم الله كلام رحمة ولكن يحاسبهم.
الجمع الثاني: بناءً على اختلاف المواطن، فيحمل على موطن دون موطن، قال في "قرة العيون": «قد تواترت الأدلة أن الله يكلم أهل الإيمان ويكلمونه في عرصات يوم القيامة».
ولا يزكيهم: أي من دنس الذنوب.
ولهم عذاب أليم.
فذكر ثلاث عقوبات: عدم التكليم، وعدم التزكية، والعذاب.
أُشيمط: من كثر فيه الشيب، وخص بذلك لأن دواعي المعصية ضعيفة لديه، وإلا فالزنى محرم على كل الأشخاص، لكن هذا أشد.
عائل مستكبر: عائل بمعنى معول فهناك من يعوله ويقصد به الفقير.
والفقير دواعي الاستكبار ضعيفة لديه، فاستكباره مع فقره يدل على ما في قلبه من الكبر العظيم.
ورجل جعل الله بضاعته: هذا هو الشاهد، ويدل على أنه يلازم اليمين ويكثر منها لقوله: «بضاعته».
وهذا يدل على تحريم كثرة الحلف ولو كان صادقًا؛ لأن فيه استهانة بتعظيم الله مما ينافي كمال التوحيد.
مسألة: الحلف الصادق يحرم فيه شيئان:
الأول: الكثرة فيه من غير سبب.
الثاني: ألا يكفر إذا حنث.
رواه الطبراني بسند صحيح.
حديث عمران بن حصين:
خير أمتي: أثبت الخيرية للأمة، لكن بعض القرون أفضل من بعض.
أمتي: أمة الإجابة.
قرني: مشتق من الاقتران، وهم أهل العصر المتقاربين سنًا وعادة وخلقًا.
وبعض أهل العلم يحدد القرن بالسنوات ويجعله مائة عام، والأول أقرب.
قرني: يقصد بهم الصحابة فهم أفضل القرون.
ثم: للترتيب، فرتبة عصر التابعين بعد رتبة عصر الصحابة.
الذين يلونهم: هذا قرن التابعين.
ثم الذين يلونهم: هم قرن أتباع التابعين.
قال عمران: فلا أدري: هذا شك من عمران.
والقاعدة في مثل هذا: أن يُبنى على الأقل؛ علمًا بأن حديث ابن مسعود رضي الله عنه دل على أن المذكور قرنان.
ثم يأتي بعد ذلك قوم: قوله "قوم" باعتبار الأغلبية، فما بعد القرون المفضلة يغلب الشر، ولكن لا يزول الخير لحديث: «لا تزال طائفة من أمتي ...».
وبعد القرون المفضلة يضعف وازع الإيمان، وذكر في الحديث مظاهر الانحراف بعد القرون المفضلة وهي ثلاثة:
الأول: الاستخفاف بالشهادة لقوله «يشهدون ولا يستشهدون».
الثانية: الاستخفاف بالأمانة.
الثالثة: الاستخفاف بالنذر.
والشاهد من الحديث: دلالة الاقتران؛ لأن الحلف يقترن بالشهادة، فمن استخف بالشهادة استخف بالحلف.
وقوله «يظهر فيهم السمن»: أي يعتنون بأسباب الدنيا والتنعم، والسمن ليس مذمومًا لذاته، فيدخل في ذلك من اهتم بأسباب التنعم ولو كان ضعيفًا.
ويخرج السمين خلقة إذا كان لا يهتم بأسباب الدنيا.
وفيه: أي البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه:
خير الناس: أل للعموم.
قرني: أي الصحابة.
ثم الذين يلونهم: أي التابعين.
ثم الذين يلونهم: أي أتباع التابعين.
ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه.
مناسبة الحديثين: أن الكذب في اليمين ينافي كمال تعظيم الله الواجب.
إبراهيم النخعي: من أتباع التابعين.
كانوا يضربوننا: أي أولياء الصغار.
على الشهادة: يحتمل على ابتداء الشهادة حتى لا يستخفوا بها، ويحتمل الكذب في الشهادة.
والعهد: مثل الشهادة، وصورته: عليّ عهد الله أن أفعل كذا.
باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه
وقول الله تعالى: ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا[ [النحل: 91] الآية.
عن بريدة رضي الله عنه قال كان رسول الله r إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، فقال: «اغزوا بسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن هم أجابوك فاقبل منهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله تعالى، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم. وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة نبيه وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك. فإنك لا تدري، أتصيب فيهم حكم الله أم لا»؟ [رواه مسلم].
المسألة الأولى: علاقة هذا الباب بكتاب التوحيد.
أن عدم الوفاء بذمة الله نقص في تعظيم الله.
وصورة «في ذمة الله» أن يقول: أعاهدك بالله، أو لك عهد الله وميثاقه.
ومثله «ذمة نبيه»؛ إلا أن الظاهر في ذمة نبيه وقت حياته.
المسألة الثانية: شرح الترجمة.