المسألة الرابعة: حكم التصوير.
المقصود حكم الصورة من حيث الشكل والمضمون على أقسام:
القسم الأول: تصوير ذوات الأرواح بأي شكل كان؛ سواء كان:
1- تمثالاً مجسمًا فهو حرام بالإجماع، ويدل عليه عموم حديث ابن عباس «كل مصور في النار».
2- أو كانت مرقومة أو منقوشة باليد مما ليس له ظل فهذا حرام أيضًا، لعموم حديث ابن عباس «كل مصور في النار»، ولحديث النمرقة وهو حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «اشتريت نمرقة فيها تصاوير، فأنكر عليها الرسول r ولم يدخل البيت حتى قطعتها وسادة أو وسادتين» متفق عليه.
والنمرقة: نوع من الأستار، وهي من الخرق يستر بها الأبواب والطاق في الجدران.
3- المرقوم بالآلة والمصور بها، وهو ما يسمى حديثًا بالصور الشمسية، وهو التصوير الفوتوغرافي، أو التصوير الضوئي، أو التصوير بالأصباغ كل هذه ألفاظ مترادفة.
حكمها: وقع خلاف عند المعاصرين على قولين:
القول الأول: أنها تجوز، استدلوا بتعليلات وقياسات:
منها: أنهم قاسوه على المرآة، فإن التصوير بالآلة مثل ظهور الوجه والجسم على المرآة.
الثاني: أن المصور بالآلة ليس له عمل وإنما العمل عمل الآلة وهو بمثابة الناقل، وهذا قول القليل.
القول الثاني: وهو قول الجمهور: أنه محرم، وذكروا أدلة إيجابية لهم، وردوا على أدلة المخالفين.
أما أدلتهم الإيجابية:
1- عموم حديث ابن عباس «كل مصور في النار»، وحديثه الآخر «من صور صورة في الدنيا ...»، وحديث أبي هريرة: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي»، وهذا قد ضاهى الله بخلقه.
أما الرد على أن من قال أن التصوير بالآلة كالمرآة، فقد رد عليهم الشيخ محمد بن إبراهيم في الجزء الثاني من الفتاوى.
أن هناك فرقًا بين التصوير بالآلة والظهور بالمرآة من وجوه:
الوجه الأول: أن التصوير بالآلة فيه استقرار وبقاء، وأما على المرآة فلا تبقى ولا تستقر.
الوجه الثاني: أن التصوير بالآلة عن عمل ومعالجة؛ بخلاف الظهور على المرآة فلا عمل فيه ولا معالجة.
الوجه الثالث: من حيث اللغة والعرف والعقل، قال: لا يأتي لغة ولا عرفًا ولا عقلاً أن من وقف أمام المرآة أنه صور. اهـ.
أما قولهم إن الآلة ليس فيها عمل فيقال:
إن المصور بالآلة يأتي بالآلة، ويضع الفلم فيها ويوجه الآلة، ويحمض الصورة، وهذه كلها أعمال، وربما عدّل في الصورة أيضًا، فأين الدعوى أنه ليس له عمل؟
وقال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله- في هذه المسألة: لو قال قائل إنه لا يحرم من الخمر إلا ما اعتصر بالأيدي فقط، أما المعتصر بالآلات فلا يحرم. اهـ. وهذا قاله الشيخ في نفس السياق متهكمًا بمن يفرق بين التصوير بالآلة والتصوير باليد.
ويقال أيضًا: لو أن إنسانًا حمل بندقية فضغط على الزناد فقتل، فلا يقول عاقل إنه ليس بقاتل وليس له عمل، وهذا فحوى كلام شيخنا محمد المنصور رحمه الله لما رد عليهم في هذه المسألة.
الوجه الرابع: أن يقال هذه تعليلات في مقابل النص، والتعليل في مقابل النص فاسد الاعتبار.
ويقال أيضًا إن التصوير الفتوغرافي أعظم مفاسد من التصوير باليد نظرًا لسهولته وكثرة انتشاره.
ويقال أيضًا: إن عندكم تناقضًا في كلامكم، لو أن شخصًا صور باليد فإنه يحرم، وإذا صور نفس الشخص بالآلة فإنه يجوز؛ مع أن الشخص واحد، والعمل هو التصوير والتناقض دليل فساد القول.
وقد ألف ابن باز رسالة اسمها «الجواب المفيد في حكم التصوير» أفتى بها بتحريم التصوير الفوتوغرافي، وتكلم عن هذه المسألة ابن إبراهيم في مجموع الفتاوى، وتكلم
عنها الشيخ حمود التويجري في رسالته «تحريم التصوير والرد على من أباحه»، والأخرى «إعلان النكير على المفتين بالتصوير»، وكذلك رسالة للألباني، وأصدر شيخنا حمود العقلاء رحمه الله فتوى في تحريم التصوير الفتوغرافي، وكذلك شيخنا محمد المنصور رحم الله الجميع.
والصحيح أن التصوير الفتوغرافي لا يجوز.
وشرط هذا القسم «تصوير ذات الأرواح» ألا يقصد المضاهاة، فإن قصدها فهو كفر.
والقسم الثاني: تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر والجبال ونحو ذلك.
وهذا وقع فيه خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: قول مجاهد ومن وافقه من أهل العلم أنه لا يجوز حتى غير ذوات الأرواح، واستدلوا بعموم حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة ...»، وهذه ليست من ذوات الأرواح.
القول الثاني: قول الجمهور أنه يجوز.
واستدلوا على ذلك بدليلين:
1- ما أخرج أبو داود والنسائي بسند جيد في حديث جبريل أنه قال للرسول r: «مر برأس التمثال فليقطع فيصير كهيئة الشجرة». فأجاز كونه كالشجرة مما يدل على الجواز.
2- قول ابن عباس رضي الله تعالى عنه عند مسلم لرجل استفتاه في التصوير، فقال ابن عباس: سمعت رسول الله r يقول «كل مصور في النار»، ثم قال ابن عباس: إن كنت لا بد فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له، وهذا هو القول الراجح.
أما حديث أبي هريرة «فليخلقوا حبة»: فهذا محمول على من صور ليضاهي، ولذا جاء في أول الحديث «ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ... الحديث»، ومن قصد بتصويره أن يضاهي فهذا شرك أكبر، ولو كان المصوَّر من غير ذوات الأرواح.
القسم الثالث: ما لا تبقى معه حياة، أي هو أساسًا من ذوات الأرواح لكن أزيل عنه الرأس، كصورة الإنسان مقطوع الرأس؟
هذه الصور تجوز لحديث جبريل عند أبي داود والنسائي بسند جيد... «فمر برأس
التمثال فليقطع»، فدل على أن التمثال المقطوع الرأس جائز، ولحديث: «إنما الصورة الرأس»، فما ليس فيه رأس فيجوز، والحديث أخرجه أحمد.
مسألة: وهل يفرق بين الابتداء والدوام؟
بمعنى لو كانت صورة الإنسان موجودة أساسًا ثم أزيل الرأس فهذا جائز، وهذا يسمى الدوام.
بقي هل يجوز أن ترسم إنسانًا بدون رأس ابتداءً؟
الجواب: لا يجوز لعموم الأدلة.
مسألة: لو فصل الرأس عن الجسم بممر بينهما، أو وضع خطًا هل تجوز الصورة؟
الجواب: لا تجوز؛ لأن الحديث «رأس التمثال فليقطع»، والقطع هنا بمعنى الكسر، أما جعل ممر أو خط فيقال: لا يزال الرأس باقيًا. ولحديث «إنما الصورة الرأس»، ولو قال قائل: نص الحديث يقطع، ونحن قطعنا الرأس، نقول فماذا تفعل في حديث «إنما الصورة الرأس»!!
مسألة: صورة ذوات الأرواح الممتهنة.
أما لو كانت الصورة موجودة في الفرش التي توطأ أو يتكأ عليها، هذه الصورة جائزة بشرط الامتهان، والامتهان حالاته معدودة، كأن يوطأ عليه، أو يتكأ عليه، أو ينام عليه، أو يستند إليه، والدليل على ذلك حديث النمرقة، فإن فيها تصاوير فقطعت فجعلت وسادة أو وسادتين، وهذا مثال للاتكاء والاستناد.
وحديث جبريل عليه السلام رواه أبو داود بسند جيد وفيه: «ومر بالستر فليقطع وليجعل منه وسادتان منبوذتان توطأ ...» ويحتمل أنها أصلا قطعت وفصل الرأس ثم وضعت وسادة توطأ؛ فزوال المحظور أصلاً في القطع وذهاب المعالم للصورة، والوسادة والوطء زيادة وهذا الاحتمال الأخير ينظر إن دل عليه الحديث فهذا أكمل وإلا يبقى على الاحتمال الأول.
القسم الرابع: الصور التي عمت بها البلوى ويشق التحرز منها، كالصور التي على علب المواد الغذائية. فأما هذه فوجودها في البيت لا إثم فيه بشروط:
1- أن تعم بها البلوى.