عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 09-18-2012, 02:46 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

«لو أني فعلت لكان كذا» وهذا الشاهد على الاعتراض على المقدور.
وقوله: فلا تقل: هذا خطاب لمن أصابه شيء. بقي الطرف الثاني الذي لم يصبه شيء هل يقول لأخيه ذلك مثلاً فيقول لو أنك فعلت؟ حسب التقسيم السابق فحكمها حكمه.
وهذا الرجل اعترض على المقدور بعد فعل الأسباب وهذا مجرم، وأشد منه تحريمًا من اعترض على المقدور ولم يفعل شيئًا من الأسباب.
ولكن قل: "قدر الله":
ذكر الشيخ ابن جبرين في الفوائد أن المشهور عندهم قدر الله بدون تشديد، وقال: هكذا يضبطها مشائخنا، والظاهر أنها على الوجهين، تأتي بالتشديد وبدونه.
قدر الله: أضاف القدر إلى الله. من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ بمعنى أن هذا فعل الله وما قدره وكتبه.
وقوله "قدر الله": بمعنى المراتب الأربعة للقدر. بمعنى أن الله علمه، وكتبه، وشاءه، وخلقه.
وما شاء فعل: هذا من باب عطف البعض على الكل؛ لأنه مشيئة الله بعض قدر الله، فالقدر له أربعة مراتب منها المشيئة. ويحتمل أنه عطف تغاير فيكون قدر الله أي فعل الله وخلقه ويحمل على آخر مرتبة وقوله ما شاء يحمل على مرتبة المشيئة بالمطابقة وتدل على العلم والكتابة باللازم.
وهذا الكلام له فائدة في النفس؛ بمعنى أن ما وقع ليس لنا فيه حيلة.
وقوله "قل": يقصد به قول القلب واللسان، ولذلك فإنه يجهر بها.
قل: هنا هل هي للاستحباب أو للوجوب؟
أما في القلب فواجب. أما اللسان فيحتمل هذا ويحتمل هذا.
ثم علل الرسول «المنع من كلمة لو».
قال: «فإن لو تفتح عمل الشيطان».
وعمل الشيطان هنا: ما يلقيه في القلب من التحسر والندم والحزن، والظاهر أن الشيطان هنا هو الشيطان الجني، وهو متشيطنة الجن.

والعمل هنا عمل خفي وهو الوسوسة في القلب. وفيه أن للشيطان عمل وتأثير([1]).
مناسبة الحديث:
أن الاعتراض على المقدور بكلمة "لو" بعد الحرص والاستعانة وفعل الأسباب محرم ومن عمل الشيطان فكيف إذا كان مع ترك الأسباب فهو أشد؟ وإنما المطلوب من المسلم أن يفعل أو يعمل استعانة وحرصًا، ثم لا يجزع بعد ذلك من المقدور.

باب النهي عن سب الريح
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به» [صححه الترمذي].
قال الشارح:
المسألة الأولى: شرح الترجمة.
النهي: طلب الكف على سبيل الاستعلاء، والأصل فيه التحريم.
وقوله: "سب": هو العيب والقدح والذم واللعن.
وقوله سب الريح: هذا من الاعتراض على قدر الله، لكن بدون كلمة "لو"، وإنما بالسب المباشر.
الحديث: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به» [صححه الترمذي].
لا: ناهية، وهذا يعطينا حكم سب الريح وأنه حرام.
تسبوا: مرّ بنا معنى السب.
ومن أمثلة سب الريح: كأن يقول: «بئست هذه الريح»، أو «هذه ريح شريرة»، «الله يكره هذه الريح» ومثل قوله: «يا شين ها الريح».
أما علة النهي عن سب الريح؛ لأن سبها سب لخالقها، كما أخذنا في باب «سب الدهر».
مسألة: أحيانًا يكون سب الريح يخرج من الملة.
فيما إذا اعتقد أنها مستقلة بالفعل.
فسب الريح على قسمين:
1- أن يسبها ويعتقد أنها مخلوقة مأمورة فهذا محرم، وعليه يحمل حديث أبي.
2- أن يسبها على أنها فاعلة وهذا شرك في الربوبية، قال تعالى: ]هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ[ [فاطر: 3].

"فإذا رأيتم": ومثله إذا سمعتم أو علمتم.
ما: موصلية بمعنى الذي.
وما يكره من الريح كشدة حرها أو شدة بردها.
فقولوا: الأصل في الأمر أنه للوجوب، ولكنه هنا للاستحباب؛ لأنه مبني على الإرشاد والتعليم.
اللهم: أي يا ألله.
نسألك من: تبعيضية، وهذا يدل على أن الريح فيها خير وفيها شر.
فيسأله من خيرها: وخير الريح مثل: إزالة الروائح، أو دفع السفن.
وخير ما فيها: أي ما تحمل، ففي للظرفية. مثل ما تحمله من اللقاح ]وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ[.
وخير ما أمرت به: مثل إثارة السحب.
فسأل الله ثلاثة أمور:
1- أمر يتعلق بها. 2- أمران فيما يتعلق بما تحمله وتُؤمر به.
ويقصد بالأمر هنا الأمر القدري، والآمر هو الله.
الاستعاذة: طلب العوذ.
من: تبعيضية.
وهنا استعاذ من شر الريح لا من الريح فلا يقول أعوذ بالله من الريح إنما شر هذه الريح.
وهنا مسألة: ما حكم لو استعاذ من الريح، فقال: أعوذ بالله من الريح، أو أعوذ بالله من الهواء؟ هذا لا يجوز، فالاستعاذة من شرها لا منها، ولأن الاستعاذة منها مطلقًا قدح في تقدير الله. وهنا قال: الريح، ولو قال: الرياح فجائز.
وشر ما فيها: من الحر والبرد والميكروبات والحشرات وما تنقله من الأمراض والأتربة.
وما أمرت به: فإنها تؤمر بإهلاك قوم، كما حصل لقوم عاد، فإن الله أرسل عليهم ريحًا صررًا عاتية.
مسألة: ويقاس على تحريم سب الريح تحريم سب كل مخلوق مسير، كسب السحاب، وكسب الزلازل، فإنه لا يجوز كذلك.


([1]) كما قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا} [المجادلة: 10].

رد مع اقتباس