وحديث عيادة المريض «طهور إن شاء الله».
القول الثالث: أنه في الدعاء يحرم قولها، فإذا دعا الله وقال: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، فلا يجوز أن يقول "إن شئت"، وعليه يحمل حديث الباب.
وإن قالها على وجه الخبر أو التبرك فيجوز، وعليه يحمل حديث المقابر وحديث المريض.
والقول الثالث هو اختيار المصنف؛ حيث ذكر في المسائل أنها لا تستثنى في الدعاء وهذا هو الراجح.
إلا أن المسألة تحتاج إلى تفصيل أكثر فيقال:
- أما في باب الدعاء المحض، فهذه يحرم تعليق الدعاء بالمشيئة.
الدعاء المحض: هو المبتدأ بقول القائل "اللهم" أو "يا الله" ونحوها، فهذا لا يجوز، ويحمل عليه حديث الباب.
- أما باب الخبر المحض الذي يقصد به التصديق أو التكذيب المبني على سؤال، فهذا يجوز تعليقه بالمشيئة؛ بل أحيانًا يجب، قال تعالى: ]وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ[ [الكهف: 23، 24] ومثل حديث المقابر «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون».
- أما في باب الخبر الذي يتضمن الدعاء فهذا فيه تفصيل؛ لأنه ليس صريحًا في الدعاء ولا صريحًا في الخبرية، فلذا بحسب القائل، فإن نوى الدعاء فلا يجوز، وإن نوى الخبر فيجوز، وعليه يحمل حديث «طهور إن شاء الله»، ومثل قول القائل «مأجور إن شاء الله» لحديث «إنما الأعمال بالنيات».
لو قال قائل: «هل لي أجر إن فعلت كذا فقلت: إن شاء الله»؟ هذا خبر، وقد يقصد به الدعاء.
مسألة: من أمثلة ذلك ما يجري على ألسنة بعض الناس كقولهم «جعله الله في موازين حسناتك إن شاء الله»، وقوله «غفر الله لك إن شاء الله»، أو«هذه المحاضرة تكتب في موازينك إن شاء الله»، أو يقول أحدهم: «غفر الله لك فيقول الآخر: إن شاء الله» كل هذه الألفاظ جارية على ألسنة بعض الناس، وهي ألفاظ تجوز ولا بأس بها لأنها من باب الخير أو باب التبرك ولأنها ليست دعاءً مخاطبًا به الله بقوله اللهم.
قال المصنف: وفي الصحيح عن أبي هريرة: الحديث المتفق عليه.
لا يقل: لا ناهية والنهي يقتضي التحريم، وهذا هو الأصل، وحمله النووي على التنزيه، وهذا خلاف الأصل.
أحدكم: عام في الرجل والمرأة وفي غيرهم.
اللهم: يا ألله وهذه لفظة مهمة حتى يُفهم أن ذلك في باب الدعاء المخاطب به الله المصدّر بقولك اللهم أو يا الله ونحوه.
اغفر لي: ومثله اللهم اغفر لنا إن شئت، وهل مثلها اللهم اغفر لفلان إن شئت؟
كذلك: اللهم ارحمني إن شئت؟ مثلها.
هل هو خاص بالدعاء في الأمور الأخروية وهي الرحمة والجنة؟
الجواب: حتى الأمور الدنيوية، فلا يجوز تعليق الدعاء بالأمور الدنيوية، كأن يقول: اللهم عافني من المرض إن شئت، اللهم نجحني إن شئت، فهو عام في الأمور الدنيوية والأخروية.
يعزم المسألة: هذا أحد أسباب المنع في الحديث، وهو أن تعليقه بالمشيئة يدل على الفتور وضعف الهمة، ولذا قال: ليعزم المسألة في الدعاء، أي: اسأل بعزم وقوة.
وجاء عند مسلم: ليعزم المسألة في الدعاء.
قال: فإن الله لا مُكر له: وهذا هو السبب الثاني؛ لأن تعليق الدعاء بالمشيئة يوهم أن الله له مكره، ويوهم النقص لله، فإن الله لا مكره له.
أما بالنسبة للاستجابة إذ دعا الإنسان فإنها قد تحصل وقد لا تحصل، لكن لا يعدم الداعي ثلاث مسائل:
1- إما أن يستجاب له.
2- أو يدخر له في الآخرة ما هو أحسن.
3- أو يدفع عنه مكروه.
قال: ولمسلم «وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه».
ليعظم الرغبة: أي ليعظم الطلب.
قال الله تعالى: ]إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[ [يس: 82].
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: «لا يقل أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي، وغلامي».
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب يتعلق بتعظيم الله سبحانه وتعالى وإفراده بالتعظيم، كذلك في بعض جوانبه التنزه عن الأسماء المشابهة لأسماء الله، كاسم الرب، والسيد على تفصيل يأتي.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
لا يقل عبدي: لا: ناهية. والأصل في النهي التحريم. وهذا الخطاب موجه لسيد العبد المملوك.
اقتصر المصنف في الترجمة على حكم واحد، وهناك حكم آخر موجه للعبد؛ بأن لا يقل: ربي لسيده.
قال المصنف في الصحيح: الحديث متفق عليه.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله قال: «لا يقل ...».
لا: ناهية والأصل أن النهي يقتضي التحريم على خلاف يأتي.
قوله "يقل": القول هنا: النطق باللسان أي: لا يقل بلسانه نطقًا.
أحدكم: يقصد به ثلاثة أشخاص:
الأول: سيد العبد، فلا يقل هذا الكلام.
الثاني: أو أجنبي يخاطب العبد بهذا الكلام.
الثالث: أو العبد نفسه. لا يقولها؛ لكن بلفظ المتكلم أي: لا يقل العبد: سوف أطعم ربي ونحو ذلك.
أطعم: من الإطعام، وهو يشمل الطعام والشراب أيضًا، والشراب يطلق عليه طعام أيضًا قال تعالى: ]وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ[ [البقرة: 249]
ربك: أي متولي أمرك.
وهنا نصل إلى مسألة وهي: حكم إطلاق كلمة الرب على سيد العبد، سواء من سيد العبد أو من أجنبي أو حتى من العبد نفسه؟
الحكم فيه تفصيل:
أما إطلاق كلمة الرب على سيد العبد إذا قطعت عن الإضافة؛ فهذا لا يجوز، كأن يقول: سوف أُطعم الرب أو أَطْعِم الرب، فهذه لا تجوز، وهذا من الإلحاد في أسماء الله؛ لأن كلمة الرب إذا قُطعت عن الإضافة فهي اسم خاص لله، قال تعالى: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[ [الشورى: 11] وقال تعالى: ]وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[ [الأعراف: 180]، ولحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيح «إن أخنع اسم رجل تسمى ملك الأملاك» أما إذا أضيفت كما في حديث الباب، كأن يقول سيد العبد لعبده: أطعم ربك، يقصد نفسه، أو يقول أجنبي للعبد: قم فأطعم ربك، أو يقول العبد: سوف أطعم ربي، فالرب هنا مضاف إلى الكاف أو إلى ياء المتكلم.
وهنا وقع خلاف بين أهل العلم:
القول الأول: أنها تكره كراهة تنزيه، ويحملون النهي في الحديث على التنزيه، ولم يقولوا بالتحريم؛ لأنه جاء ما يدل على جوازه كقوله تعالى: ]اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ[ [ويوسف: 42]، وقوله r في الحديث «حتى تلد الأمة ربتها»، فقالوا إذن: السنة تركها.
القول الثاني: أنه يحرم؛ لأن الأصل في النهي التحريم، أما الآية ]اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ[ [يوسف: 42] فهذه جاءت في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا ما يمنع من ذلك، وقد جاء في شرعنا النهي.
وأما حديث: «حتى تلد الأمة ربتها»، فهذا لا إشكال فيه؛ فإن ربتها لفظ مؤنث لا يوهم المشاركة، إلا أنه يرد على المسألة الأخيرة ما رواه أبو داود بسند صحيح قوله r: «لا يقولن المملوك ربي وربتي».
هذا إذا كان الخطاب للعبد، أما إن كان الخطاب على ما ليس عليه تعبد من الدابة والبيت، فهذا يجوز فيه أن يقول رب البيت ورب الدابة، ويدل عليه قوله r في