مكان آخر.
حكمها: فيه تفصيل:
أما في الدعاوي والخصومة فهذا يحرم التأويل فيه باليمين. ويُحمل عليه قوله r: «يمينك على ما يُصدقك به صاحبك»، ويقصد بالصاحب: صاحب الخصومة والحق، وفيه تعليل أيضًا: أنه يؤدي إلى ضياع الحقوق.
أما إذا لم يكن في الخصومة والحقوق فإنه يجوز، كالقرض فإنه لا يجب عليك الإقراض، وكذلك العارية فهي لا تجب عليك، فتجوز التورية فيها، ما دامت لم تجب عليك، أما إذا وجبت عليك فلا تجوز التورية.
الدليل على جواز التورية في الأمور غير الواجبة:
حديث سويد بن حنظلة جاء قوم فأرادوا أن يأخذوه، فقال أحد الصحابة: هو أخي، فتركوه فأخذه r فقال: «أنت أبرُّهم وأصدقهم. صدقت المسلم أخو المسلم» [رواه أحمد وأبو داود].
والقسم الثالث: ما لم يكن ظالمًا.
مسائل في اليمين:
قول المصنف: من حلف بالله: هذا فيه وجوب الحلف بالله أو بصفة من صفاته.
واليمين التي بالله تنقسم إلى قسمين:
1- يمين حقيقة. 2- يمين حكمًا.
فيمين الحقيقة مثل أن يقول: والله وتالله وبالله، أن يأتي بلفظ الجلالة ويسبقه بحروف القسم الثلاثة "الواو، الباء، التاء".
الصيغة الثانية: أن يحذف حرف القسم. كقول: الله لأفعلن كذا، أو لله لأفعلن كذا.
القسم الثاني: اليمين الحُكمية وهي أصناف:
1- أن يذكر لفظ القسم والحلف، كأن يقول: قسمًا لأفعلن كذا، أو حلفت، فهذه في حكم اليمين إن نوى القسم.
2- الحلف بالتزام الواجبات، كأن يقول: إن فعلت كذا فعليّ الحج، أو إذا لم أفعل تصدقت بثلث مالي فهذه حكمها حكم اليمين، وتحلتها تحلة يمين.
3- الحلف بالعتق، فهذه يمين. كأن يقول: لأُعتقن عبدي إن فعلت كذا، أما إن قال: عبدي عتيق إن فعلت كذا فهذا عتق.
4- الحلف بالطلاق، كأن يقول: إن لبست هذا الثوب فامرأتي طالق، فهذا فيه خلاف، واختار أبو العباس وجماعة أنه يمين، والمذهب أنه طلاق.
5- الحلف بالبراءة من الإسلام، كأن يقول: هو يهودي إن فعل كذا، أو هو علماني إن فعل كذا، أو هو بعثي إن فعل كذا.
فهذه تعتبر يمين؛ إلا إذا رضي بهذه الملة فحلف تعظيمًا لها فهو كما قال.
6- الدعاء على النفس، حكمه حكم اليمين. كما لو قال: علي غضب الله وسخطه ألا أدخل هذا البيت.
7- التحريم، كأن يحرم على نفسه شيئًا. كأن يقول: العسل علي حرام إن دخلت هذا البيت، أو غيرها من المباحات، فهذا يمين، إلا تحريم الزوجة فالمذهب أنه ظهار.
8- يمين الإكراه، كأن يحلف عليه أن يجلس يريد إكرامه أو شرب شيء طيب، فاختار أبو العباس أنها ليست يمين لعموم «إنما الأعمال بالنيات»، والقول الثاني: أنها يمين.
وهذه الأيمان الحُكمية إن كانت على مستقبل فهذا هو المقصود، وإن كانت على ماضي فإن كان كاذبًا فهي الغموس.
مسألة: كلمة «الله يعلم» هل هي يمين؟
حسب النية، فإن نوى الحث والمنع فهي يمين وإلا فلا.
مسألة: «أمانة الله» هل هي يمين؟
المذهب أنها يمين، وقول الشافعية أنها ليست بيمين، لأن الأمانة هي فرائض الله وما أوجبه الله.
ومثلها «حق الله» المذهب أنها يمين، والقول الثاني أنها ليست بيمين، لأنه حق الله
وطاعته، والأخير في كلا القولين أقرب.
مسألة: قوله «عهد الله وميثاقه»:
المذهب أنها يمين، والقول الثاني أنها ليست بيمين، لأنها فعل الله كما قال: ]وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ...[ [طه: 115].
قوله: «ومن لم يرض فليس من الله».
هذا وعيد، ومعروف مذهب السلف في أحاديث الوعيد، ويقصد به هنا التغليظ.
باب قول: «ما شاء الله وشئت»
عن قتيلة، أن يهوديًا أتى النبي r فقال: إنكم تشركون، تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي r إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: «ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت» [رواه النسائي وصححه].
وله أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً قال للنبي r: ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله ندًا؟ ما شاء الله وحده».
ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي r فأخبرته قال: «هل أخبرت بها أحدًا؟ قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن طفيلاً رأى رؤيا، أخبرها بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده».
قال الشارح:
المسألة الأولى:
هذا الباب له علاقة بتوحيد الربوبية والتصرف، وهذا الباب هو الباب الرابع فيما يتعلق بتوحيد الربوبية.
المسألة الثانية: شرح الترجمة:
قوله: «ما شاء الله»: فيه إثبات المشيئة لله.
والمشيئة: وصف قائم في ذات الله وهي صفة لله تعالى.