وهل هو أصغر أم أكبر؟
كلمة شرك إذا جاءت منكرة فإنها تُحمل على الأصغر، فهذه الألفاظ شرك أصغر ما لم يضم إليها اعتقادًا أو ترتقي إلى الأكبر في الألوهية أو الربوبية ونحوه.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم].
قال: عن عمر: والصواب أنه ابن عمر.
من: شرطية دالة على العموم؛ لكن يُستثنى الجاهل والناسي والمكره.
تعريف الحلف: تأكيد الشيء بمعظم.
وقوله بغير الله: كأن يحلف بالمخلوقات.
مثال ذلك: كأن يقول: "والنبي" "والكعبة" أو "بشرفي"، فهذا من الحلف بغير الله.
ومن الألفاظ المعاصرة: ما يجري على ألسنة الأطفال من قولهم "بصلاتي"، "بعبادتي"، "بأمي وأبي".
وهل منها أن يقول: قسمًا بآيات الله؟ فهذه فيها تفصيل حسب المراد من الآيات: إن كان يقصد من الآيات القرآن فهذا يجوز؛ لأن القرآن كلام الله، وهو الجاري على ألسنة الناس اليوم، وإن كان يقصد بالآيات الآيات الكونية كالشمس والقمر، فهذا لا يجوز.
الحلف بصيغة "بذمتي":
إن كان يقصد أن "الباء" بمعنى "في" أي: في ذمتي عهد لك أن أصدق أو أفي، فهذا يجوز للحديث «ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك»، وإن كان يقصد الحلف، كما لو قيل له: احلف: فقال: بذمتي، فهذا لا يجوز.
ومنها لفظ "بالأمانة" ففيها تفصيل"
إن أراد بقوله "بالأمانة" يُريد أخبرني بالحقيقة بدون كذب ولا زيادة ولا نقص وتكون الباء للمصاحبة: أي أخبرني خبرًا تصاحبه الأمانة، فهذا جائز. وإن قصد اليمين فلا يجوز؛ لحديث «من حلف بالأمانة فليس منا» [رواه أحمد وأبو داود]، ولحديث ابن عمر في الباب.
إلا أنه ينبغي التنزه عن الألفاظ الموهمة التي في ظاهرها تشابه الشرك فيترك "بذمتي"، "وبالأمانة"؛ لقوله تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا[ [البقرة: 104]؛ ولحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، ولحديث النعمان «وبينهما أمور
متشابهات... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
"أي الحق" أو "أيم الله" هذه تجوز؛ لأنها من الحلف بالله فأصلها "يمين الله"([1])
لعمر الحق" أو "لعمر الله" فهذه تجوز؛ لأن العمر يقصد به الحياة ([2]).
أما "لعمري" أو "لعمرك" فلا يجوز إن قصد بها اليمين. فإن لم يقصد بها اليمين فتجوز وتكون مثل كلمة تربت يداك ولا أمّ لك ونحوها مما لا يراد حقيقتها. وعليه يُحمل الآثار التي جاءت في لعمري.
كلمة "بوجهي" أو "بوجهك" هذه لا تجوز، وهي من الحلف بغير الله، وإن قصد أنها بمعنى الذمة فتجوز؛ وينبغي تركها لأنها من الألفاظ الملتبسة.
أحيانًا يأتي قَسَمٌ عند العسكريين والكشافة هذا نصه: «أعد بشرفي أن أبذل جهدي وأن أقوم بالواجب نحو الله والوطن والمليك» وهذا لا يجوز لسببين:
1- فيه حلف بغير الله.
2- فيه مساواة بين الله والوطن والمليك، وهذا لا يجوز وهو من الشرك وقد يكون أكبرًا وقد يكون أصغرًا حسب ألفاظ القسم.
فقد كفر: هذه الصيغة هل تدل على الكفر الأكبر أو الكفر الأصغر؟ المشهور عند أهل العلم أن "قد" إذا دخلت على الكفر فإنها تدل على الكفر الأكبر، وتكون في قوة الألف واللام أي: في قوة الكفر؛ لقوله r: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» إلا أن هذه القاعدة ليست مطردة في كل الأحاديث. أما الحلف هنا فحكمه من الشرك الأصغر إذا لم يقترن به اعتقاد مساواة لله.
والدليل على أنه في الأصغر دلالة الاقتران من أثر ابن عباس السابق، فإنه قرنه بأشياء من الشرك الأصغر، والقول بأنه من الأصغر هو قول الجمهور.
وقوله: «أو أشرك»: أي فقد أشرك، والحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم.
مناسبة الحديث: يدل على أن من حلف بغير الله فقد اتخذه ندًا.
قضية معاصرة: ومن ذلك القسم على احترام الدستور عند الدخول للبرلمان، وهذا إن
أقسم عالما فيما في الدستور مختارًا فهذا كفر أكبر.
مسألة: ما ثبت في بعض الأحاديث من حلف الصحابة بغير الله مثل قوله: «أفلح وأبيه إن صدق» فإنه من الحلف بغير الله.
الإجابة عن ذلك: أجاب العلماء عن ذلك بخمس إجابات أحسنها وأسلمها القول بالنسخ.
لماذا حُمل على النسخ؟ لسببين:
1- تعذر الجمع جمعًا صحيحًا.
2- أن الحلف كان موجودًا في الجاهلية.
واعتاد بعض الصحابة على ما كانوا يقولونه في جاهليتهم، ثم جاء الإسلام بالتوحيد وإفراد الله بالتعظيم في اليمين فكان النهي عن الحلف بغير الله، فيكون آخر الأمرين التوحيد، ويكون هذا الكلام بمنزلة المتقدم والمتأخر لا سيما وأنه يعارض الأحاديث التي فيها تحريم الحلف بغير الله.
قال ابن مسعود «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا».
هذا يسمى موقوفًا اصطلاحًا.
لأن أحلف بالله: هذا فيه الحلف بالله.
كاذبًا: حال منصوبة، فاجتمع هنا حسنة وسيئة: الحسنة الحلف بالله، والسيئة الكذب.
أحب إليّ من أن أحلف بغيره: هذه سيئة أعظم لأنه شرك.
صادقًا: حسنة.
وهذا الأثر يدل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، فهو أعظم من الزنى والكذب وشرب الخمر، علمًا بأن بعض الناس يظن أن الشرك الأصغر أخف من الكبائر، وهذا غير صحيح.
الأثر أخرجه الطبراني وهو صحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي r قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» [رواه أبو داود بسند صحيح].
لا تقولوا: لا: ناهية.
ما شاء الله وشاء فلان: هذا اللفظ محرم، والسبب لأنه ساوى بين الله وفلان في المشيئة، وهو من الشرك الأصغر.
ولكن: للاستدراك.
قولوا: هذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب، فصيغة «ما شاء الله ثم شئت» واجبة، وأكمل منها «ما شاء الله وحده».
رواه أبو داود بسند صحيح:
قوله: بسند صحيح: هذا حكم المصنف، وبعض أهل العلم يعبرون بقولهم حديث صحيح، وهذا أسلم. والحكم على السند يُشعر بالحكم على المتن.
مسألة: «ما شاء الله وشئت» تأتي في باب مستقل.
وجاء عن إبراهيم النخعي «أنه يكره أعوذ بالله وبك، ويجوز أن يقول: بالله ثم بك. قال: ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا لولا الله وفلان».
إبراهيم النخعي: من أتباع التابعين، وهو من تلامذة تلامذة عبد الله بن مسعود.
يكره: كراهية السلف المتقدمين تُحمل على التحريم على قول لبعض أهل العلم؛ بخلاف كراهية المتأخرين، وهنا كره صيغتين وأعطى البديل عنهما:
الصيغة الأولى: أعوذ بالله وبك. وهذه لا تجوز، وعلاقتها بالتوحيد أنها من الشرك الأصغر.
ويجوز: هذا فيه إشكال؛ بل إنه يجب؛ إلا أن يقصد بـ"يجوز" أنه ليس فيه تحريم.
سبب تحريم الصيغة الأولى: لأنه ساوى بين الله وغيره في التعوذ، ولذلك لما جعل رتبة فلان أقل من رتبة الله جاز، هذا إذا كان فلان يُستعاذ به، أما إن كان لا يجوز الاستعاذة به فهذا يُحمل تغليظًا على تغليظ، كأن يكون فلان ميتًا، وإن كان فلان عاجزًا فيكون من السفه.
الصيغة الثانية الجائزة: قوله: «لولا الله ثم فلان».
هذه جائزة بشرط أن يكون فلان سببًا صحيحًا.
الصيغة الثانية المحرمة: «لولا الله وفلان».
([1]) لأنه أقسم بصفة من صفات الله، لأنه اختصار يمين الله.
([2]) والحق هو الله.