عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-18-2012, 12:31 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

قوله "العلماء": للعموم، فتشمل حتى علماء السوء؛ لأن الذي يخالف الشرع ويحلل ويحرم هم من علماء السوء.
وقوله "أمراء": جمع أمير، ويقصد به من شأنه الأمر والطاعة.
وذكر المصنف هنا صنفين هما: العلماء والأمراء، ويُقاس عليهم الأصناف الأخرى، كالعباد، ورؤساء العشائر، وكل ما من شأنه الطاعة كالوزراء.
قوله: «في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم»: ذكر المصنف هنا تحريم الحلال وتحليل الحرام.
وهي عدة صور:
أما بالنسبة للحلال:
فالصورة الأولى: تحليل الحلال.
الصورة الثانية: تحريم الحلال.
الصورة الثالثة: إيجاب الحلال.
الصورة الرابعة: استحباب الحلال.
الصورة الخامسة: كراهية الحلال.
فتجري في الصور الخمس الأحكام الخمسة، لكنها تتفاوت في الحكم.
أما تحليل الحلال فهذا واجب «وأما تحريم الحلال فهو الذي معنا في البحث، ومثلها إيجاب الحلال إذا كان معنى الإيجاب الحكم الشرعي – لا الإيجاب بمعنى الأمر، أما الكراهية والاستحباب فهي محل بحث وهناك فرق بين الحكم الشرعي الذي هو الإيجاب والتحريم ... وبين الحكم السلطاني الذي منه المنع والإلزام ونحوه».
وقوله: تحليل الحرام: تجري فيه الأحكام الخمسة السابقة تمامًا.
وأما الإلزام بالحلال والحرام فهذه لا تدخل؛ لأنه مسألة الإكراه، كما لو أُكره على حرام.
وباعتبار الكمية؛ فالثاني أكثر عند العلماء والأمراء وهو تحليل الحرام كما ذكر المصنف.
فقد اتخذهم: هذا جواب الشرط والفاء رابطة.

أربابًا: جمع رب، والرب هو المتصرف، فيكون المعنى: اتخذهم متصرفين، لكنه تصرف شرعي لا تصرف قدري.
فالتصرف نوعان:
1- تصرف شرعي، كما قال تعالى: ]شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ[ [الشورى: 13].
2- تصرف قدري، وهو التصرف في الكون إماتة وإحياء.
المسألة الرابعة: حكم طاعة العلماء والأمراء؟
تنقسم إلى أقسام:
القسم الأول: أن يطيعهم وهو يعلم أنهم مخالفون "عامدًا"، مع أنه يرى أن ما أحلوه حرامًا وما حرموه حلالاً. وهذا على نوعين:
النوع الأول: في الأمور المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة وهي المسائل الظاهرة، فهذا يعتبر كفرًا وشركًا أكبر.
مثال ذلك: لو أطاعهم في الذبح لغير الله أو كل ما هو من الشرك الأكبر، فهذا كافر ومشرك شركًا أكبر وهو شرك في باب الطاعة ومثله لو أطاعهم في ترك أحد المباني الأربع وهو يعلم أنهم مخطئون.
النوع الثاني: أن يطيعهم في المسائل الخلافية ([1])، كأن يفتي بجوار التصوير، أو بجواز قص اللحية، ويعلم أن فتواهم خاطئة لكن تابعهم هوى، فهذا يعتبر محرمًا وكبيرة من كبائر الذنوب ([2]).
القسم الثاني: أن يطيعهم وهو لا يعلم مخالفتهم فهذا على قسمين:
النوع الأول: المسائل المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة وهي المسائل

الظاهرة، فهذا يكفر إلا ما استثني وهو حديث العهد، ومن نشأ في بلاد الكفر أو في البادية البعيدة.
كما لو أجازوا الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أو كل ما هو من الشرك الأكبر وتابعهم على ذلك وهو لا يعلم أنهم مخطئون، فقد اتخذهم ربًا، ويعتبر من الشرك الأكبر ومثله لو أطاعهم في أحد المباني الأربع وهو لا يعلم أنهم مخطئون وهو عائش بين المسلمين وليس حديث عهد.
النوع الثاني: المسائل الخلافية التي لها حظ من النظر، فهذا يعذر إذا أطاعهم وهو لا يعلم مخالفتهم.
القسم الثالث: أن يطيعهم عالمًا معتقدًا أن لهم التحليل والتحريم فهذا يكفر، وهذا القسم فيه زيادة مسألة الاعتقاد.
قواعد تلاحظ في حكم طاعة العلماء والأمراء:
1- أن الأمور المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة وهي المسائل الظاهرة فإن المطيع يكفر فيها سواء كان عالمًا أم جاهلاً؛ إلا ما استثني في مسائل الجهل في غير الشرك الأكبر والمستثنى وهم ثلاثة حديث العهد ومن نشأ في بلاد الكفر أو البادية البعيدة.
2- أن المسائل الخلافية لا بد أن يكون لها حظ من النظر – مبنية على آية أو حديث أو إجماع أو قول صحابي.
3- المسائل الخلافية التي لها حظ من النظر يختلف الحكم فيها باختلاف الشخص، إن كان متعمدًا وخالف هوى أو مصلحة فإنه يحرم، وإن كان جاهلاً غير متعمد فإنه يعذر، ومثله المجتهد لا شيء عليه.
4- كونه يعلم أنهم مخطئون له أثر في المسائل الخلافية.
بقي مسألة من المسائل الخلافية وهي التي ليس لها حظ من النظر، فهذه تحتاج إلى بحث، وأما التحريم والمنع فثابت، وأم التكفير فيحتاج إلى بحث.
وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله. وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
هذا جواب لحوار دار بينه وبين من كان حوله، فإن ابن عباس يرى وجوب نسك

التمتع في الحج، ويستدل على ذلك بقول الرسول r، وعنده في المجلس من يرى أن الإفراد أفضل، ويستدل بفعل أبي بكر وعمر، فقال له هذا القول.
يوشك: أي يقرب.
عليكم: الكاف للمخاطبين عنده الذين عارضوا فعل الرسول بقول أبي بكر وعمر.
مناسبة هذا الحديث: تحريم تقديم قول أحد على قول الرسول r، وأنه يستحق هذا الوعيد.
وهذا الأثر فيه فوائد:
1- أن من بلغه الدليل ورده تقليدًا لإمام فإنه ينكر عليه بغلظة.
2- لا يلتفت إلى رأي يُخالف الكتاب والسنة.
3- تحريم التقليد مع وضوح الدليل.
المسألة الخامسة: حكم التقليد؟
يحرم في مواضع ويجوز في مواضع.
أما مواضع التحريم:
1- عند وضوح الدليل، فالتقليد يحرم ويسمى التقليد الأعمى والعصبية المذهبية. بقي لو كان الدليل غير واضح؟ تحتاج إلى بحث.
2- تقليد إمام معين يقلده في كل شيء.
أما المواضع التي يجوز فيها التقليد:
1- العامي، فإن فرضه التقليد ]فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[ [النحل: 43].
2- طالب العلم والعالم إذا لم يتضح له الدليل ويحتاج إلى الفتوى وإلى العمل، فإنه يقُلد، وهذا محله في المسائل الخلافية.
وقال أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله تعالى يقول: ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ [النور: 63].
الإمام يأتي لمعاني كثيرة وهو هنا: المتبع والمقتدى به في الخير. عجبت لقوم: العجب هنا عجب إنكار.

وقوله قوم: وصفهم بصفتين؛ لأن الوصف يقتضي المغايرة:
الأولى: أنهم يعرفون الإسناد "رجال السند".
الثانية: أنهم يعرفون التصحيح "الحكم عليه بكونه صحيحًا أم لا".
ومعنى ذلك أنهم علماء وطلبة علم.
يذهبون إلى رأي سفيان: هكذا قال: رأي، ولم يقل دليل سفيان.
سفيان: هو الثوري.
ومناسبة الأثر: الإنكار والتعجب من العلماء وطلبة العلم العارفين بالحديث تصحيحًا وتضعيفًا أن يذهبوا إلى رأي سفيان وغيره.
وخرج بقول أحمد "يعرفون الإسناد وصحته" صور:
الصورة الأولى: من لم يعرف الإسناد والتصحيح؛ فإنه يذهب إلى رأي سفيان أو غيره.
الصورة الثانية: من شك في التصحيح، فإنه يذهب إلى رأي سفيان.
الصورة الثالثة: من عرف الإسناد ولم يعرف التصحيح "معنى الإسناد" أي حفظ رجاله وليس لديه ملكة في التصحيح وقواعده.
الصورة الرابعة: من عرف الصحة ولم يعرف الإسناد، هذا لا يمكن إلا أن يكون مقلدًا في الصحة، وإذا عرف الصحة بطريق صحيح فهذا كافي؛ لأن الأصل معرفة الصحة.
والله تعالى يقول: ذكر الآية من باب الاستدلال على قوله في عدم جواز تقليد العالم الذي معه الدليل، وهذا من أحسن الأمور أن يكون الحكم الشرعي مصحوبًا بالدليل.
وهنا مسألة: حكم ذكر الأدلة عند ذكر الأحكام؟
هذا من باب الاستحباب، وأما بناء الأحكام على الأدلة فواجب.
]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ[ [النور: 36].
فليحذر: هذا تحذير ووعيد.
أمره: أي أمره الشرعي.
أن تصيبهم: أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فليحذروا إصابة الفتنة، ثم فسر الإمام أحمد الفتنة بأنها: الشرك.
أو يصيبهم عذاب: أصبح المخالف لأوامر الله معرض لشيئين:


([1]) المسائل التي لها حظ من النظر.

([2]) هناك مسألة تحت هذا القسم، وهو لو أطاعهم فيما يعلم أنه محرم وذلك في المسائل الخلافية ولكن للمصلحة في زعمه إما للدعوة أو غير ذلك، فهذه حكمها لا تجوز أيضًا، بل قد تكون أشد مما لو اتبع هواه، لأن الله لم يجعل شفاء الأمة فيما حرم عليها، ومثاله: من قص لحيته حتى يتولى منصبًا ويصلح في منصبه.

رد مع اقتباس