عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 09-18-2012, 12:28 PM
محب سدير محب سدير غير متواجد حالياً
عضو متألق
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 212
معدل تقييم المستوى: 0
محب سدير is on a distinguished road
افتراضي رد: المعتصر شرح كتاب التوحيد

المسألة الثانية:
المصنف خص هنا نوعًا من الصبر وهو: الصبر على أقدار الله.
وسبب ذلك: أن الصبر على المصائب هو الذي يتعلق في التوحيد؛ لأن من تمام الاعتراف بربوبية الله ومن تمام توحيد الله بالربوبية الصبر على ما قدر الله وقضى.
المسألة الثالثة: أقسام الصبر: ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: صبر النفس، وهو حبسها عن الجزع، وما يقوم بالقلب من الصفات غير المرضية.
الثاني: حبس اللسان عن التشكي والنياحة.
الثالث: صبر الجوارح عن اللطم والشق.
المسألة الرابعة: هذه الأقسام باعتبار المحل وباعتبار الإنسان نفسه.
وينقسم أيضًا إلى ثلاثة أقسام أخرى:
الأول: الصبر على الطاعة.
الثاني: الصبر عن المعاصي.
الثالث: الصبر على الأقدار المؤلمة.
والقسم الأخير هو الذي عنى المؤلف لأنه الذي يتعلق بالتوحيد.
المسألة الخامسة:
المصنف قال: من الإيمان بالله الصبر ولم يقل الرضى؛ لأن هناك فرقًا بين الصبر والرضى.
الصبر على أقدار الله واجب مطلقًا، أما الرضى بأقدار الله ففيه تفصيل؛ لأن من أقدار الله ما يُرضى به ومنها ما لا يُرضى به.
ويقصد بأقدار الله هنا:
القسم الأول: ما قدره الله من الشرك والكفر، فهذا لا يرضى به قال تعالى: ]وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ[ [الزمر: 7].
القسم الثاني: من أقدار الله: كالطاعات، فهذه يَرضى بها، والرضى بها هنا واجب.

وأما المصائب التي تحدث للإنسان فالرضى بها مستحب، أما الصبر عليها فواجب بقي مرتبة ثالثة وهي الشكر، وهذه هي المسألة الآتية.
المسألة السادسة: موقف الإنسان من المصائب.
له أربعة مواقف:
أما الجزع فمحرم،وأما الصبر فواجب، وأما الرضى فمستحب، ومعناه: طمأنينة القلب وسكونه وهو عمل قلبي.
الرابع: الشكر وهو: الثناء باللسان عند المصيبة، كأن يحمد الله أنه لم يحصل أكبر منها، أو يحمد الله على أنه أنعم عليه بأكثر، أو يحمد الله على أنها لم تكن في دينه. أو مطلق الحمد وهو: عمل متعلق باللسان إذا اجتمع مع الرضى.
المسألة السابعة: أقدار الله هل يقصد بها القضاء أم المقضي؟
هناك فرق بين المعنيين: فقدر الله بمعنى القضاء أو بمعنى أقدار الله التي هي فعله، فهذا كله خير ويرضى به؛ لأنه فعل الله، أما المقضي أو قدر الله بمعنى المفعول، فهذا ينقسم ولا يجب الرضى به كله.
فمثلاً قتل النفس ينُظر إليها باعتبارين:
1- من حيث أن الله كتبه وشاءه نرضى بها.
2- من حيث صدوره من القاتل وأنه باشره فلا نرضى به.
المسألة الثامنة: الصبر على أقدار الله قسمان:
الأول: أقدار لله لا صنع للعباد فيها، كالمرض والبرد وغير ذلك.
الثاني: أقدار من كسب العباد، وهي على قسمين:
القسم الأول: ما يصدر منهم عليك من أذية وضرب بقصد منهم وتعمد، وهل يجب الصبر هنا أم لا؟
لا يجب الصبر.
القسم الثاني: ما يصيبك منهم بغير قصد ولا تعمّد، وهذه لا يجب الصبر عليها لكنها أخف من التي قبلها، أما بالنسبة للآية فقد قال تعالى: ]وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ[ [التغابن: 11].

من يؤمن: فسرها علقمة بأنه يرضى ويسلم، ففسر الإيمان هنا بالرضى والتسليم، وهذا من باب التفسير بالتضمن؛ لأن الرضى بعض الإيمان.
ولماذا لم يقل أن يصبر؟ هو داخل في كلامه؛ لأن الرضى صبر وزيادة.
والمصنف أتى بقول علقمة في تفسير الآية مع أن الباب باب الصبر والآية في الإيمان مما يدل على فقه المؤلف؛ لأن الدليل عام والدعوى خاصة، وهذا مقبول في الاستدلال.
يهد قلبه: الهداية هنا هداية توفيق أي: يزيده إيمانًا وتوفيقًا، ومن هداية الله الرضى والتسليم.
علقمة: من كبار التابعين،وهذا يسمى مقطوعًا لأنه من قول التابعي.
الرجل: هذا من باب الغالب وإلا فالمرأة كذلك.
المصيبة: ما يقع للإنسان مما يكرهه كالمرض ونحو ذلك.
فيعلم: العلم هو الإدراك.
أنها من عند الله: إيجادًا وتقديرًا ومشيئة، وأما من العبد فكسبًا.
فيرضى: الرضى أعلى من الصبر، فيدل على الصبر بالتضمن.
فمعناه: يصبر ويطمئن قلبه ويحمد بلسانه.
ويسلم: الواو للمغايرة، فهل التسليم بمعنى الرضى أم لا؟
هذه مسألة تحتاج إلى بحث؛ إلا إن كان يقصد بالرضى ما يتعلق بالجوارح والتسليم ما يتعلق بالقلب.
مناسبة الآية وتفسير علقمة: يدل على أن الصبر سبب لهداية القلب، وأن من الإيمان الصبر.
مسألة: شكاية المريض هل تنافي الصبر.
فيها تفصيل:
إن كان إخبارًا فهذا جائز، كما جاء في الحديث حينما قالت عائشة: وارأساه، فقال الرسول r: بل أنا وارأساه. وعلامة الإخبار أن يكون مبنيًا على السؤال أو ما يدل على الإخبار، وأما إن كان على وجه التبرم من المصيبة والتأفف منها فهذا يُنافي الصبر، خصوصًا إذا صحبه كلمات تدل على التأوه والتضجر.

مسألة: حكم الأنين:
أما الأنين فقد كرهه الإمام أحمد، وأظنه داخلاً ضمن التقسيم السابق، فإن كان من باب التنفيس عن النفس، فيجوز، وإن كان من باب التشكي فلا يجوز. أي: التسخط والتأفف.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت».
اثنتان: هذا للتقريب وليس للحصر.
الناس: الألف واللام للعموم فتشمل المسلم والكافر.
وهل يخرج الجن؟ بل الجن مكلفون ومخاطبون.
بهم: الباء سببية أي هما سبب كفرهم.
ما المقصود بالكفر في هذا الحديث؟
الكفر إن جاء معرفًا بالألف واللام فيدل على الاستغراق ويحمل على الكفر الأكبر، وأدخل بعض أهل العلم (قد) فهي أيضًا للاستغراق، لحديث «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر».
وأما الكفر إذا جاء مُنكّرًا بدون الألف واللام فيدل على الكفر الأصغر، يكون المقصود بالكفر في حديث الباب: الكفر الأصغر.
وهل من قامت به يُقال له كافر؟
لا. وإنما يُقال له: قام به شعبة من شُعب الكفر الأصغر، أو خصلة من خصال الكفر الأصغر.
الأولى: الطعن في النسب، هذا مر بنا في باب الاستسقاء بالنجوم.
الثانية: النياحة على الميت، أيضًا سبق بحث هذه المسألة.
الشاهد من الحديث: قوله: النياحة على الميت، فإنها تنافي الصبر، والواجب عند مصيبة الموت أن يصبر.
المناسبة: وجوب الصبر على أقدار الله وأنه من الإيمان، وأن نقصه يُنافي كمال التوحيد الواجب.

رد مع اقتباس