]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23]
وقوله: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ[ [الأنفال: 2] الآية، وقوله ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ [الأنفال: 64]، وقوله: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[ [الطلاق: 3].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «حسبنا الله ونعم الوكيل». قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد r حين قالوا له: ]إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[ [آل عمران: 173] [رواه البخاري والنسائي].
قال الشارح:
هذا الباب هو باب التوكل، ويعتبر الباب الثالث في أعمال القلوب التي ذكرها المصنف.
المسألة الأولى: تعريف التوكل:
التوكل لغة: التفويض والاعتماد. أما شرعًا: فهو الاعتماد على الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23].
وينقسم التوكل إلى أقسام:
القسم الأول: الاعتماد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، كالاعتماد عليه في الشفاء والسلامة والحفظ والرزق والنسل. وهذا حكمه: شرك أكبر، ودليله الآية الأولى ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة: 23]، وقوله تعالى: ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[ [البقرة: 22]، وقوله تعالى: ]وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[ [المؤمنون: 117]. فالتوكل من الدعاء؛ من دعاء العبادة.
القسم الثاني: الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه المخلوق، وهي مسألة الاعتماد
على الأسباب، فهذا يعتبر من الشرك الأصغر إذا اعتمد إنسان على مخلوق أو اعتمد على الأسباب، فهذا من الشرك الأصغر.
أمثلة:
1- كالذي يعتمد على طبيب في حصول الشفاء، فيُعالج عند طبيب معين لمهارته ويعتمد ويثق بالشفاء.
2- الاعتماد على كثرة الجيش وقوة الجيش لحصول النصر.
3- اعتماد الطالب على المذاكرة في النجاح.
4- الاعتماد على السلطان والوظيفة في حصول الرزق.
5- الاعتماد على حذق سائق السيارة أو الطائرة للسلامة من الحوادث.
مسألة: ضابط الاعتماد على الأسباب:
الاعتماد على الأسباب يعرف بالآثار والعلامات واطمئنانه وثقته.
هذه علامة الاعتماد، ومثلها الثقة بالسبب، والثقة في ترتب المسبب أي حصول النتيجة. كل هذه علامات على الاعتماد.
أما الدليل على أنه شرك أصغر فهو الآية الأولى ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23].
وجه الدلالة: أن في الآية أسلوب حصر وهو تقديم ما حقه التأخير، وأما من السنة فحديث «من تعلق تميمة فقد أشرك» رواه أحمد.
والحديث وإن كان في التميمة، فإنّ تعلق قلبه بالسبب يدل على مسألتنا بالعموم المعنوي، وهو ما يسمى بقياس الشبه.
القسم الثالث: ما يسمى بالوكالة الجائزة أو الاستنابة.
وتعريف الوكالة هي: استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة.
القسم الرابع: الاعتماد على الأموات والغائبين، فهذا شرك أكبر.
قد يقول قائل: لماذا لا تدخلوه في القسم الأول؟ نقول: القسم الأول وضعنا فيه قيد وهو فيما لا يقدر عليه إلا الله، فقد يكون هذا القسم -الاعتماد على الأموات- في شيء يقدرون عليه لو كانوا أحياء.
مسألة: ما حكم الألفاظ الآتية:
توكلت عليك، أو متكل عليك؟ هذا حسب ما مر علينا أن فيه خلافًا.
1- فمنهم من أجاز هذا القول وهو الغالب في المعاصرين.
2- والقول الثاني: عدم جواز هذه اللفظ، وهذا هو الأقرب، وعليه تُهجر هذه الألفاظ وتُترك، ويدل عليه قوله: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23] بدلالة الحصر. وممن منع هذاه اللفظة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- وبعضهم منعها إن قال توكلت على الله وعليك أو متكل على الله وعليك ويكون سبب المنع لأنه جمع بينها بالواو مثل كلمة لولا الله وفلان وفي هذه الصورة الأخيرة وهي قول: توكلت على الله وعليك لا شك أنها من الشرك الأصغر ويأتي تفصيل ذلك في باب ]فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا[ لكن كلامنا عن جملة «توكلت عليك» أو «متكل عليك» فقط إذا جاءت مفردة وفيها الخلاف السابق.
مسألة: هل لو عطف يزول المحظور؟
كأن يقول: «توكلت على الله ثم عليك».
الجواب: لا يزول المانع؛ لأن المؤاخذة في اللفظ نفسه سواءً أفرده أو عطفه.
مسألة: الاعتماد على النفس، ومسألة الثقة بالنفس؟
أما الاعتماد على النفس فهذا لا يجوز، وهو من باب الاعتماد على الأسباب «من باب القسم الثاني»، ويدل عليه الآية ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا[ [المائدة: 23] أي: اعتمدوا على الله ولا تعتمدوا على غيره.
مسألة: ما حكم استعمال الألفاظ التي تدل على الاعتماد على النفس مثل قول القائل: اعتمد على نفسك أو يجب أن تثق بنفسك؟
هذه لا تجوز، ومر بنا أن الاعتماد على النفس لا يجوز، والتلفظ كذلك لا يجوز، ولما روى الإمام أحمد مرفوعًا من دعاء النبي r أنه قال: «ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين... الحديث».
مسألة الثقة بالنفس؟
إذا كانت بمعنى الاعتماد على النفس فلا تجوز، وأما لفظة الثقة في نفسها ففيه