إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا[ [الأنعام: 112].
يخوف أولياءه: يخوفكم بأوليائه.
فلا: لا: ناهية.
تخافوهم: نهى عن خوفهم، والنهي يقتضي التحريم، وهذا يشمل القسم الأول والثاني من الخوف بالنسبة لعموم ألفاظ الآية. أما بالنسبة لسبب الآية فهي للقسم الثاني.
وخافون: هذا أمر فيه وجوب إخلاص الخوف لله سبحانه وتعالى.
إن: شرطية.
كنتم: فعل الشرط، وجوابه محذوف.
تقديره: إن كنتم مؤمنين فخافون.
والتخويف الذي حصل من الشيطان في الآية، هو قوله: ]إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ[ [آل عمران: 173].
نوع التخويف هنا: تهديد بالكلام ليصدهم عما يجب من الجهاد الواجب وهي نزلت في غزوة حمراء الأسد، وأراد أن يوقع في قلوبهم ذلك. وهذا التخويف غير سائغ لأنْ يصد؛ فهو تهديد بالكلام وهو لا يضر، فدل على أن الخوف الغير ملجئ من الشرك أن تضمن ترك ما يجب أو فعل ما يحرم.
الآية الثانية: ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ[ [التوبة: 18].
إنما: أداه حصر.
يعمر: سواء كانت عمارة حسية بالبناية أو عمارة معنوية بالطاعة.
مساجد الله: الإضافة بتقدير اللام.
من: اسم موصول في محل رفع فاعل.
آمن بالله: ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات.
ولم يخش إلا الله: هذا هو الشاهد.
لم: حرف نفي.
إلا: إثبات.
فالأسلوب أسلوب حصر، والخشية نوع من الخوف ولكنه أخص منه.
الآية الثالثة: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ[ [العنكبوت: 10].
من: تبعيضية.
من يقول آمنا: أي بلسانه وبقلبه هذا هو الظاهر، لكن الإيمان الموجود أصل الإيمان لا كماله؛ لأنه أثبت له الذم فدل على أن إيمانه ناقص.
أوذي: تعرض للأذية.
في الله: أي بسب الله أي: لأنه مؤمن.
فتنة الناس: المقصود أذيتهم ومحنتهم وعراقيلهم.
كعذاب الله: الكاف للتشبيه، شبه الفتنة بعذاب الله، فكما أن عذاب الله يصد كانت فتنة الناس تصده، ففعل المعصية خوف الأذية، وتركَ الواجب خوف الأذية.
المسألة السابعة: هل كل أذية معتبرة أم لا؟
الأذية مراتب:
الأولى: أذية شديدة غير محتملة وهو الإكراه، وهذه يجوز أن يترك الواجب ويفعل المحرم بشرط ألا يكون بفعله للمحرم تعديًا على الغير، والدليل قصة عمار قال تعالى: ]مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ[ [النحل: 106].
وهذا الذي يسمى الإكراه الملجئ، وهو باعتبار الأصل جائز لكن يختلف باختلاف الأشخاص، كأن يكون شخصًا يقتدى به كالعالم وطالب العلم، وبين أن يكون شخصًا لا يقتدى به، ومرت هذه المسألة في الباب الأول.
الثانية: أذية محتملة وفيها مشقة.
الثالثة: أذية قليلة محتملة، كأذية الكلام والشتم.
الرابعة: الوهم والجبن، فيكون عند الشخص تصورات ذهنية لا حقيقة لها.
الخامسة: الضرورة وهذه تبيح أشياء مخصوصة كالميتة لمن خاف الموت أو كشف العورة لضرورة المرض ونحو ذلك.
والنوع الثاني والثالث والرابع لا يجوز أن يترك من أجلها واجبًا أو يفعل محرمًا.
مسائل في الإكراه:
المسألة الأولى: الفصل من الوظيفة هل هو عذر في ترك ما يجب عليه؟
ليس عذرًا في ترك ما يجب إن وجب عليه هذا الأمر.
ومثلها لو خوََّف بقطع الرزق.
المسألة الثانية:
الخوف من الشياطين كالخوف من الإنس، فإذا خاف الإنسان منهم ما يقدرونه وانعقدت القرائن، فهذا كالخوف من الإنسان فيما يقدره، وإن خافهم فيما لا يقدرونه فهذا من الشرك الأكبر. لقوله تعالى: ]وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ... الآية[ وقد سبقت.
المسألة الثالثة: الخوف من العاجز:
يعتبر من الحمق والسفه.
المسألة الرابعة: التهديد هل هو عذر؟
إن كان من قادر، وهدد بما لا يُحتمل، فهذا يجوز وإلا فلا.
المسألة الخامسة: الخوف من الميت؟
هذه مرت علينا، وهي من باب الشرك الأكبر، وهي كالخوف من الجمادات.
مناسبة الآية الثالثة: فيها مدح وثناء لمن خاف الله سبحانه وتعالى.
وأما الآية الثانية: ففيها تحريم ترك ما يجب خوفًا من الناس بلا عذر.
مسألة: إذا خاف إنسان من موقفه أمام الناس للكلام؟
الخوف من الموقف([1]) من الخوف الطبيعي، لكن إن ترك ما يجب من أجله فهذا يدخل في القسم الثاني، وهو من الشرك الأصغر.
مسألة: لو ترك الإنسان ما يجب عليه هل هو من باب الخوف الشركي؟
لا يعتبر من هذا الباب؛ لأن ترك ما يجب له أسباب كثيرة، بعضها يجوز وبعضها لا يجوز.
فالأول: لو ترك ما يجب عليه خوفًا من الناس بلا عذر فهذا لا يجوز، وهو المقصود هنا.
الثاني: أن يكون الدافع المصلحة، فيترك ما يجب عليه من باب المصلحة؛ لأنه إن فعل ما يجب يترتب عليه مفسدة أكبر، فهذا يجوز؛ لكن قد يقع خلاف في هل هو مصلحة أم لا؟
مثال ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، فإن تركه الإنسان في قضية معينة لأنه يؤدي إلى مفاسد أكبر من ذلك، فهنا يترك الإنكار ويقال: ترك ما يجب، وهذا من باب التنـزل وإلا الإنكار مع المفاسد ليس واجبًا.
الثالث: قد يكون مداراة، والمداراة أن يترك الإنكار مثلاً فترة معينة حتى يأتي الوقت المناسب فينكر عليه، ويدل عليه حديث رواه أبو داود وعبد الرزاق «أن رجلاً زنا فرُجم، فقال أحد الصحابة: انظر إلى هذا قد ستره الله ويأتي يفضح نفسه حتى يُرجم كالكلب». وكان النبي r يسمع هذا. قال الراوي: فسار النبي r ساعة، فإذا بجيفة حمار فقال: «أين فلان ابن فلان ... ثم قال له: «انزل وكل من هذه الجيفة»، ثم قال بعد ذلك: إنك أكلت من أخيك أعظم من هذه» الشاهد: أن النبي r أنكر عليه فيما بعد.
الرابع: أن يترك ما يجب عليه كسلاً لا خوفًا من الناس، وهذا محرم.
حديث أبي سعيد مرفوعًا، وهذا الحديث ضعيف جدًا فيه محمد بن مروان متهم بالكذب.
رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي.
حديث عائشة:
من التمس أي: طلب.
رضي الله أي: أسباب رضى الله. بدلالة السياق. وإلا فنحن نثبت الرضى لله صفة من صفاته.
بسخط الناس: الباء للعوض، فيكون معنى ذلك أنه فعل ما يرضي الله عوضًا عن سخط الناس.
قوله: بسخط الناس أي: ولو بسخط الناس.
الناس: الألف واللام فيما يبدو للعهد، ويقصد بهم الناس الذين يسخطون بفعل الطاعات لا كل الناس؛ لأن من الناس من لا يسخط بأسباب رضى الله.
رضي الله عنه: فيه إثبات الرضى لله، وأن الله رضي عنه، وأما المجازاة فهي من مقتضيات وآثار الرضى.
رضي الله عنه: هنا من باب إضافة الصفة للموصوف، فيكون جازاه الله بجزاءين:
1- إن الله رضي عنه. 2- رضي الناس عنه.
وقلنا جازاه من باب آثار الرضى وإلا فالمجازاة ليست هي الصفة بل من آثارها مع إثبات صفة الرضى لله.
وأرضى عنه الناس: الناس هنا هم الناس هناك.
ما معنى رضى الناس؟
هل هو بمعنى المحبة أي: حبوه، أو يقصد به الرضى القلبي؟
لا. لا يقصد به هذا وإنما جاء عند الترمذي قوله: «كفاه مئونة الناس»، وقال في رواية: «عاد حامده ذامًا» هذا في السخط، فيكون الرضى عاد ذامه حامدًا، فيكون الرضى بالمقابل.
وبالجمع بين الروايات يكون الرضى هنا بمعنى يعطونه ويفعلون به فعل الراضي.
قال: ومن التمس أي: طلب. رضى الناس: الناس هنا بابها واحد.
بسخط الله: الباء: للعوض، فإن الله يعاقبه بعقابين فيكون عوقب بنقيض قصده.
العقاب الأول: أن يسخط الله عليه.
العقاب الثاني: سخط الناس عليه.
وسخط الناس يقصد به ذمهم له وأذيتهم له.
مناسبة هذا الحديث: وجوب تقديم رضى الله على رضى المخلوق، والوعيد لمن خاف الناس فآثرهم على رضى الله.
الحديث رواه ابن حبان وحكم عليه بالصحة وهو كما قال.
([1]) الموقف مثل ما ينتاب الإنسان من الشعور والقلق والرجفان لو قام يتكلم أمام الناس ونحو ذلك.