2- انتفاء المانع: كالجهل والإكراه ونحو ذلك.
هل يجوز التبديع والتفسيق باعتبار الهوى؟
لا يجوز، وإنما المعتبر ما كان من جانب الشرع.
التأويل هل هو مانع أو غير مانع؟
إذا كان التأويل له حظ من النظر ومعتبر عند أهل السنة والجماعة في غير الشرك الأكبر والمسائل الظاهرة فهذا مانع، فتأويل الأشاعرة مانع من التكفير، لكنه غير مانع من التبديع والتفسيق، أما الجهمية فهم كفار بإجماع السلف.
ربنا ولك الحمد: لها أربع صور:
1- ربنا لك الحمد. 2- ربنا ولك الحمد.
3- اللهم ربنا ولك الحمد. 4- اللهم ربنا لك الحمد.
فأنزل: الفاء سببية.
صفوان: هؤلاء؛ لأنهم رؤساء الكفار يوم أحد.
هل استجاب الله دعاءه؟
هؤلاء الثلاثة تاب الله عليهم فأسلموا.
سب الكفار الأموات: جاء حديث عن النبي r: «لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» "أل" في الأموات الأقرب أنها للعهد، ويقصد بها أموات المسلمين وذلك قوله تعالى: ]لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ[ [المائدة: 78] وقوله تعالى: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[ [المسد: 1] وكذلك لعن الله فرعون.
فسب الأموات غير جائز إذا كانوا مسلمين، ومع الكفر يجوز.
وأما بالنسبة للمسلمين فيجوز عند الحاجة، كبيان حاله وجرحه وغير ذلك ويستثنى في سب الأموات فيما لو سب الكافر الميت يقصد بهذا السب قريبه المسلم الحي فهذا لا يجوز لأنه توصل بسبب الكافر الميت من أجل أذية قريبه المسلم الحي فإن سبب الحديث «لا تسبوا الأموات» أن بعضهم كان يسب أبا جهل إذا رأى ابنه عكرمة لكي يؤذي عكرمة فمنع من أجل ذلك، أما لو سب الكافر الميت لمقاصد حسنة فلا مانع فقد دل على ذلك أدلة أخرى.
حين: ظرف زمان.
قام: قيام خاص، يقصد به الدعوة والإنذار.
حين أنزل عليه: أصبح قيامه تطبيقًا لقوله تعالى ]أُنْذِرَ[.
يا معشر قريش: هذه كلمة جامعة، وعند البخاري يا بني عبد مناف، والظاهر أن الرسول r عمّ وخصّ.
لا: نافية شيئًا: نكرة، فنفى رسول الله الغناء عن أحد شيئًا، فإذا كان كذلك لماذا يذبح له، أو يستغاث به، أو يستعاذ به؟ وهذا محل الشاهد.
داود بن جرجيس([1]) المبتدع قال:إن في الحديث محذوفًا وهو إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله وقد رد عليه (أبا بطين) رحمه الله.
سليني من مالي ما شئت: هذا هو الذي قدر عليه r، أما دفع عذاب الله ورفعه عنها فهذا لا يستطيع عليه r.
مالي: أي الذي أملكه.
]حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ[ [سبأ: 23].
وفي (الصحيح) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله: كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك. حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع – ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض – وصفه سفيان بكفه فحرقها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء».
عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة – أو قال رعدة – شديدة خوفًا من الله عز وجل. فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجدًا. فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فقول جبريل: قال الحق وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل».
قال الشارح:
هذا الباب مثل الباب الذي قبله يبين بطلان الشرك بالله وعبادة غير الله. وهو معقود في عبادة الملائكة خاصة، وهؤلاء الملائكة يخافون ويفزعون، فالذي يخاف ويفزع لا يصلح أن يكون معبودًا.
ويدل أيضًا على بطلان عبادة الصالحين، إذا كان هذا حال الملائكة فحال غيرهم من باب أولى.
والباب الذي بعده قريب من نفس الفكرة.
الآية:
فزع: أزيل وفرغت قلوبهم من الفزع.
عن: حرف جر يدل على المجاوزة، حتى إذا جاوز الفزع قلوبهم.
من هم الذين فزع عن قلوبهم؟ المسألة خلافية بين علماء التفسير.
اختار ابن جرير وابن كثير على أن الضمير يعود على الملائكة، وذكر بعضهم أن الضمير يعود على المشركين، وهذا اختاره السعدي في تفسيره، ومال إليه بعض المفسرين، وروي عن بعض السلف، وذلك بدلالة السياق والراجح الأول.
قال تعالى في أول الآيات: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ[ [سبأ: 22] أي: أيها المشركون، فقول ابن جرير وابن كثير أقرب؛ لأنه يسنده حديث النبي r، وهو اختيار المصنف.
ما هو سبب فزع الملائكة؟ يأتي في الحديث.
قلوبهم: يدل على أن الملائكة لهم قلوب، وذكر الله أن لهم أجنحة، وأن الملائكة تفزع.
قالوا: قال بعضهم لبعض.
ماذا قال ربكم؟ استفهام.
الحق: مفعول به لفعل محذوف، قال: القول الحق.
وهل سمعوا ما قال الله أم هي كلمة إجمالية؟
الظاهر الثاني مع أنهم سمعوا كلام الله لكن يفزعون ويصعقون.
العلي: في ذاته، وهو عليٌ ذاتًا وقدرًا وقهرًا.
الكبير: اسم، والله هو الكبير الذي لا أكبر منه.
في الصحيح: الحديث في البخاري.
قضى: هنا المراد به القضاء الكوني؛ لأن سياق الحديث يدل على أنه قبل البعثة، فيكون قضاءً قدريًا كونيًا.
الأمر: القدري.
والأمر المقضي هنا قال القرطبي: مثل قضاء الله أن هذا العام يكون فيه كذا وكذا في السماء.
ضربت الملائكة بأجنحتها: إثبات الجناح للملائكة. وأل في الملائكة للعموم. خَضعانًا: ويجوز خُضعانًا: وهو مفعول لأجله، وقيل إنه حال: حالة كونهم خاضعين.
كأنه سلسلة: يحتمل في ضمير كأنه أمور هي:
1- صوت الرب: فتكون الكاف للتشبيه تعالى الله عن ذلك.
2- ضرب الملائكة: فيكون صوت ضرب الملائكة أجنحتها مثل صوت السلسلة.
3- الفزع الذي يحصل في قلوب الملائكة مثل الفزع الذي يحصل حين جر السلسلة على حصاة ملساء.
4- كأن السماع، فيكون تشبيه السماع بالسماع.
أما الاحتمال الأول فهو مشكل ولا يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول: ]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[ [الشورى: 11] فصوت الله لا يُشبّه.
وأما الاحتمال الثاني والثالث فكلاهما محتمل، وعادة الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور، وأما الاحتمال الرابع فقد اختاره بعض أهل العلم وهو تشبيه السماع بالسماع، لحديث أبي داود.
«إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة» وهذا الاختيار مثل مسألة تشبيه الرؤية بالرؤية في حديث «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر...» الحديث وهو الراجح.
صفوان: حجر أملس.
ينفذهم ذلك: يمضي في الملائكة هذا الصوت حتى يبلغ فيهم كل مبلغ. الحديث يبين لنا سبب بالفزع: وهو سماع الملائكة كلام الله.
وظاهره: أن الفزع يشمل جميع أهل السماوات.
فيسمعها: يعود على الأمر المقضي.
ومصدر سماعه: من الملائكة، أيُّ الملائكة؟ ملائكة العنان، وهو السحاب كما جاء
في البخاري.
زمن السمع للجن: الله أعلم أنه قبل البعثة.
لأن مسترقي السمع كانوا كثيرًا قبل النبوة، أما لما بُعث النبي r فلم يكونوا يسمعون. والنبي r أخبر عما كان قبل البعثة.
والسماع على أحوال ثلاث:
1- كثير قبل البعثة.
2- لا يوجد استماع أثناء البعثة.
3- قليل بعد البعثة.
ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض: هل هو مُدْرَج أم لا؟
الأصل أنه غير مدرج إلا إن ثبت ذلك.
بعضه على بعض: أي متراكبين.
بددّ: فرّق.
فيسمع الكلمة: أل للعهد الذكري: أي الكلمة المذكورة.
فيلقيها إلى من تحته: الظاهر أنها بدون نقص أو زيادة.
على لسان الساحر: هذا يدل على سرعة استجابة الساحر حتى تخرج من لسانه.
أو: للتنويع.
فربما أدركه الشهاب: الشهاب هو جزء من النجم؛ لأن النجم لو نزل على الأرض أحرقها.
الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع.
مائة كذبة: بفتح الكاف، وهذا للمبالغة.
قبول النفوس للباطل، كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمائة؟!
تصديق الساحر: من الكفر وسيأتي إن شاء الله.
الشاهد من الحديث: أن الملائكة تخضع وتفزع فكيف تعبد ويستغاث بها وهي كذلك؟ وإذا كانت الملائكة كذلك فالصالحون من باب أولى.
حديث النواس بن سمعان: رواه ابن جرير من طريق الوليد بن مسلم، وهو يروي
عن نعيم بن حماد، وقد اختلفوا فيه، وأهل التحقيق على أنه ضعيف، وقد ضعف الألباني الحديث في تخريج السنة.
وقول الله تعالى: ]وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ[ [الأنعام: 51]. وقوله: ]قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا[ [الزمر: 44] وقوله: ]مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ[ [البقرة: 255] وقوله: ]وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى[ [النجم: 26] وقوله: ]قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ[ [سبأ: 22] الآيتين.
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفي أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال تعالى: ]وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى[ [الأنبياء: 28] فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون، هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي r أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده، لا يبدأ بالشفاعة أولاً، ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تُعط، واشفع تُشفع.
وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله.
وحقيقته: أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع، ليكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بين النبي r أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
قال الشارح:
المسألة الأولى: في تعريف الشفاعة:
الشفاعة: مصدر شفع يشفع شفاعة مأخوذة من الشفع: وهو ضم الواحد إلى الواحد، وهو ضد الوتر.
وأما التعريف الاصطلاحي: طلب الخير للغير، فإذا طلبت له خيرًا أو أن يُدفع عنه
شر فهذه هي الشفاعة.
المسألة الثانية:
هذا الباب يعتبر من الأبواب المهمة في كتاب التوحيد؛ لأن التعلق في مفهوم الشفاعة كان من أسباب وقوع الشرك، خصوصًا بين من يقول لا إله إلا الله، وقولنا بمفهوم الشفاعة: أي المفهوم الخاطئ.
والمصنف عانى كثيرًا من هذه المسألة، ولذا ألف كتابًا أسماه (كشف الشبهات)، ومعظم هذه الشبهات تنطلق من الشفاعة والتوسل.
فالمصنف اهتم بهذا الباب لأنه من الشرك، وأراد إقامة الحجة على أن من طلب شفاعة أحد دون الله فهذا من الشرك الأكبر.
المسألة الثالثة: أقسام الشفاعة:
1- شفاعة منفية.
2- شفاعة مثبتة.
أما الشفاعة المنفية: فهي التي تُطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وسميت منفية لأنه جاء نفيها في القرآن، وذكر المصنف بعض الآيات في هذا الباب.
الشفاعة المثبتة: وهي التي تُطلب من الله، وهذه لا تكون إلا لأهل التوحيد.
ما هي شروطها؟ شرطان:
1- الإذن للشافع أن يشفع.
2- رضاه عن المشفوع له.
المسألة الرابعة: ما حكم طلب الشفاعة من الحي القادر؟
1- إن طلبت منه أمرًا مباحًا يقدر عليه فهذا فيه مساعدة، دل عليه قوله تعالى: ]مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا[ [النساء: 85].
2- وإذا طلبت منه ما لا يقدر عليه لوجود مانع من العجز والضعف ويقدره غيره، فهذا يعتبر من باب السفه.
3- أن تطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا من الشرك الأكبر.
([1]) ومن الردود على هذا المبتدع ابن جرجيس: يقال وكذلك الرسول r قال لفاطمة: لا أغني عنك من الله شيئًا مع أنها تقول لا إله إلا الله، فانتقض تقديره بالحذف.